أدلة و مراجعاتكتب و أدب

بحث عن الوصل والفصل

shutterstock 520432258 | موسوعة الشرق الأوسط

في هذا المقال سنتحدث عن باب الفصل والوصل، وهو واحد من أدق أبواب البلاغة. وقد وصفه الإمام السبكي في كتابه “عروس الأفراح” بأنه باب عريض يتطلب التشمير عن ساق الجد. وسنحاول في هذا الموضوع استكشاف جزئيات الفصل والوصل، وشرح معانيه وأمثلته وبلاغته. فتابعونا على موسوعة في هذا البحث عن الوصل والفصل. اللهم إنا نسألك فهم النبيين وحفظ المرسلين والملائكة المقربين.

تعريف الفصل والوصل

تعريف الوصل

لغةً

الوصل في اللغة يعني الربط بين شيئين بحيث يتصل الأول بالثاني، ويمكن أن يشير إلى الصوم المتصل، الذي يتمثل في صوم النهار وإمساك الليل، دون أن يتناول الصائم أي طعام أو شراب بينهما. ويمكن أن يشير إلى وصل الشعر، حيث يُربط شعر امرأة مع شعر آخر. وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة.

اصطلاحًا

الوصل في اصطلاح البلاغيين هو: وصلة بين بعض الجمل بواسطة الواو، خاصةً.

تعريف الفصل

لغةً

أصله القطع، من فصلته عن غيره فصلًا: الفصل يعني إما نحيته أو قطعته ليفصل عن الشيء الآخر، ويمكن استخدام هذا المصطلح في الحكم بقطع الخصومات، وفي فصل الخطاب، وفي فصل المرأة عن طفلها، وفي فصل الحدود بين الأرضين.

اصطلاحًا

يُعرف الفصل في علم البلاغة بأنه ترك العطف بين الجمل.

يختص هذا الباب بالجمل التي لا يمكن إعرابها، وخاصةً الواو من بين حروف العطف، وبمعنى آخر، يُستخدم لإخراج العطف عندما لا يكون هناك محل له في الجملة.

اهداف درس الوصل والفصل

  • يهدف البحث في هذا الفصل إلى التركيز على العلاقات بين المفردات وتحديد الصلات بينها، وكيف يمكن لبعضها التقاء ببعضها، ولماذا تم العطف أو الفصل بينها، وما هو نوع الصلة ودرجة الارتباط بينها، وذلك من خلال دراسة الجمل المتجاورة.
  • كما يتناول الكلام مقاطعه ومفاصله عند نهايته، ويستعرض ما هو كبير وما هو صغير فيه، ليتأمل هذه المقاطع ويحدد الخيط الرفيع الغائر في ضمير الكلام، فيجمع بين أول وآخر هذه المقاطع، ويتساءل عما إذا كانت هذه المقاطع تتألف من حبات من نفس الجنس أم من أجناس متشابهة أم متباعدة

تناسب المعاني

العرب حرصوا على مطابقة المعاني والتآخي بين الكلمات، وهذا واضح في تراث الشعراء والمتذوقين، حيث ذكروا الكلمات المتمكنة والكلمات النابية القلقة، وذكروا الشعر الذي لا مثيل له، كما قال ابن الأعرابي:

(وأصبح يدرس شعرا بدلا من القرآن، حيث كان تعليمه يدور حوله ولم يزده إلا ذلك)

فعلاً، فإدراك مستوى التآخي الذي تحمله الكلمات يسهل الأمر للمتمرسين في هذا المجال، فكلمات رطبة وناعمة وسلسة قد تساعد حتى على الأشخاص غير المتمرسين.

الفصل والوصل عند عبد القاهر الجرجاني

عرض الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتابه “دلائل الإعجاز” دراسة لهذا الموضوع بقوله: “يجب أن نفهم في العلم كيفية التعامل مع الجمل الذي يحتاج بعضها إلى العطف بين أجزائها، وبعضها لا يحتاج إليه، وكيفية ترتيب هذه الجمل بطريقة تلتقي مع أسرار البلاغة. ويمكن الوصول إلى الصواب التام لهذا الموضوع من خلال الأعراب الخلص، وإلا فإن البلاغة ستفقد تأثيرها، ولن يكون هناك فن في الكلام.

أحوال الوصل والفصل

الحالة الأولى

وذلك أن تكون الجملة الأولى لها محل من الإعراب، وقصد التشريك بينها وبين الثانية في الحكم:

  • في هذه الحالة، يتوجب على الثانية أن تعطف على الأولى ويتصلان ببعضهما، مثلما في: محمد يعطي ويمنع، وزرت رجلاً يأمر وينهى.
  • ويُعتبر هذا الوصل ضروريًا لغرض مشاركة الجملة الثانية مع الأولى في المعنى والتعبير النحوي.
  • ويعد هذا من نوع عطف المفرد على المفرد، لأن الجملة التي تحتوي على محل من الإعراب تقع بمحل المفرد، وبالتالي يمكننا أن نقول: محمد معطٍ ومانع.
  • هكذا يشترط أن تكون هناك جهة جامعة بين المعطوف والمعطوف عليه، وهذا مثال على قوله تعالى: “يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم”، ومن قوله تعالى: “والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون.
  • ولذلك عيب على أبي تمام قوله:

والذي عليه العلم إنّ الصبرُ نواةٌ وأن أبا الحسينُ كريمٌ

لا يوجد صلة بين كرم أبي الحسين ومرارة النوى، ولا يمكن ربط أحدهما بالآخر، وهناك اعتقاد خاطئ وهو أن الأول يفيد المرارة والثاني يفيد الحلاوة.

الحالة الثانية

ويجب أن تكون الجملة الأولى لها محل من الإعراب، ولم يقصد تشريكهما في الحكم:

  • في هذه الحالة يتطلب الفصل، وذلك مثل قوله تعالى في حكاية المنافقين: `وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون. الله يستهزيء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون`.
  • تم فصل عبارة `الله يستهزئ بهم` عن الجزء السابق لتجنب تشريكها في نفس الحكم، وليست من قول المنافقين، وإذا استخدمت ستكون جزءًا من قولهم، ولكن هذا ليس ما قصدته الآية.

اسباب الفصل بين الجمل

اتفق البلاغيون على أن الفصل وترك الواو واجب في الجمل التي لا محل لها من الإعراب، ويحدث ذلك في عدة مواضع، وهي:

كمال الاتصال

  • العلاقة بين الجملتين قوية للغاية، حيث ينتميان إلى نفس الفصل النحوي، ولا يلزم وجود الواو كعلامة للصلة بينهما.
  • وضابط كمال الاتصال هو: يجب أن تكون الجملة الثانية مترابطة تمامًا بالجملة الأولى، سواء كان ذلك للتأكيد أو للاستبدال أو للربط، وبذلك تكون العلاقة بينهما ثلاثة أنواع، وهي:

 الصورة الأولى

         يتمثل التوكيد في نزول الجملة الثانية من الجملة الأولى لدفع التجوز أو الخطأ، ويتكون من قسمين:

  • يتعين في حالة تأكيد المعنى في إحدى الجملتين تأكيد المعنى في الجملة الأخرى، ويجب التأكيد لإثبات الصحة، وتكون الجملة الثانية في هذه الحالة تعزيزًا للمعنى الذي يتم التأكيد عليه في الجملة الأولى، وحيث أن الآية الكريمة “ذلك الكتاب لا ريب فيه” تأكيد للكتاب المذكور سابقًا ووصفه بأنه كامل ولا يوجد فيه نقصان، لكن قد يعتقد السامع أن هذا الحكم مبالغ فيه، لذلك جاءت جملة “لا ريب فيه” لتؤكد المعنى وتزيل هذا الاعتقاد، وتؤكد أن الحكم هو حقيقي وليس مجازي، مما يحمي الكاتب من التهمة بالمجاز.
  • أما القسم الثاني: يعني التقنين اللفظي أن يتم تحويل الجملة الثانية إلى صيغة تؤكد معنى الجملة الأولى، وذلك عبر توحيد المعنى بين الجملتين سواء اختلفتا في اللفظ أو لم يتحدثا، ومثال على ذلك جملة الله تعالى: “ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين”، حيث يتحد المعنى بين جملة “هدى للمتقين” و”ذلك الكتاب”، وتشير جملة “ذلك الكتاب” إلى أن الكتاب هو مصدر الهداية الكاملة وتؤكد جملة “هدى للمتقين” هذا الأمر، وتعد هذه الجملة هداية بلا شك.

ومن الجملتين اللتين اتحدتا في اللفظ والمعنى قوله تعالى: جمع بين هاتين الجملتين يظهر قوة الربط ويشجع على إعطاء الوقت الكافي للكافرين لمراجعة مواقفهم.

الصورة الثانية

تحل مقام الإبدال في الجملة الثانية بدلاً من الأولى، وذلك لأن الجملة الثانية أكثر وضوحاً ودقة في التعبير عن المعنى بالمقارنة مع الأولى، والتركيز في هذا المقام يتطلب العناية بالمقصود من أجل أسلوب لغوي ممتع، مثل أن يكون المراد متطلبًا للاهتمام في ذاته، أو فظيعًا بشكل لا يمكن للعقل تصوره في المرة الأولى، أو عجيبًا يحتاج إلى توضيح، أو لطيفًا يحتاج إلى شرح أكثر تفصيلاً.

يقصد بالحكم في البدل الشيء الثاني (أي البدل)، ويتم ذكر الشيء الذي يتم استبداله كتوطئة له، والهدف من البدل هو زيادة التوضيح والتأكيد، فهو يحتوي على نوع من التأكيد. يأتي التأكيد من البدل نفسه عندما يتم ذكره مرتين لغرض التأكيد على التكرار.

وهذه الصورة من صور كمال التصال لها ضربان:

  • يمكن أن تنزل الجملة الثانية بدلًا من بعض الجملة الأولى، وذلك كما في قوله تعالى: `واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون`. فالجملة `أمدكم بما تعلمون` كافية لتوصيل المعنى المراد، ولكن ما يليها يوضح التفصيلات، مما يزيد من التوضيح. لذلك يتم فصل بين الجملتين، ويتم استبدال بعض الجملة الأولى بالجملة الثانية، لأن النعم المذكورة هي جزء من ما يتم تعلمه، `وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها`.
  • أما الضرب الثاني فهو أن تصير الثانية من الأولى بدلا من الاشتمال، وهذا مثاله قوله تعالى: “قال يا قوم اتبعوا المرسلين. اتبعوا من لا يطلبون منكم أجرا وهم مهتدون.” المقصود هو أن يتبع الناس الرسل، والجملة الأولى “اتبعوا المرسلين” تعبر عن هذا المعنى، ولكن الجملة الثانية “اتبعوا من…” تضيف زيادة في التأكيد والتشجيع، وذلك بسبب ما تحمله من فائدة تزيد من رغبتهم في الاتباع، وهي أنهم لن يخسروا في الدنيا ولا في الآخرة. لذلك تم فصل الجملتين بسبب الرابطة القوية بينهما، ووضعت الجملة الثانية بدلا من الاشتمال في الجملة الأولى لأنها تشملها، فمن لا يطلب أجرا وهو مهتد في نفس الوقت، هم جميع المرسلين، وهذه صفة معنوية لهم.

الصورة الثالثة

فيما يتعلق بإيضاح المعنى، يمكن تحويل الجملة الثانية إلى منزلة عطف البيان على الجملة الأولى، ويتم ذلك لتوضيح المعنى، وليس لزيادة التقرير كعطلة. ويتم ذلك عن طريق فصل الجملة “فوسوس إليه الشيطان” عن الجملة الثانية “قال يا آدم”، نظرًا لأن الجملة الأولى تحتوي على نوع من الخفاء، وتأتي الجملة الثانية لتوضيح المعنى. ويوجد اتصال تام بين الجملتين، حيث تعتبر الجملة الثانية عطفًا على الجملة الأولى، وتم فصل الجملتين لتبيان المعنى.

كمال الانقطاع بلا إيهام خلاف المقصود

يجب أن يتوفر تباين تام بين الجملتين في الطرفين أو في الإسناد حسب الصيغة التي تتبع، وذلك بطريقتين:

الصورة الأولى

يتم تحقيق كمال الانقطاع بين الجملتين عن طريق انتفاء المناسبة والتوافق بين الجملتين.

  • يستخدم هذا المصطلح للتعبير عن رفض شيء ما، حيث يتم استخدام مثال زيد طويل وعمرو قصير للتأكيد على عدم وجود أي علاقة بينهما.
  • وإذا كان إحدى الجملتين تحتوي على تفصيل والأخرى لا، مثل قولنا “زيد طويل وعمرو نائم”، فلا يوجد ارتباط بين الطول والنوم، لذا يفصل بينهما حتى لو كانت هناك صلة قرابة بين زيد وعمرو.
  • ومن ذلك قول الشاعر أبي العتاهية:

إن الإنسان مقيد بأصغريه، كل شخص رهين بما لديه

لا يوجد أي علاقة أو صلة بين الشطرين.

  • نشير هنا إلى أن الكمال في الانقطاع لا يعني فقدان الصلة الدلالية والعلاقة الجامعة بين الجملتين، وإلا فإن الكلام سيتفكك إلى أجزائه دون وجود علاقة تربط بينها، وإنما يقصد بالكمال في الانقطاع غياب الظروف الخاصة التي تجعل ربط هذه الجملة بما قبلها صحيحًا.

الصورة الثانية

يجب أن يكون هناك فروقات بين الجملتين في الخبرية والإنشائية، إما في اللفظ والمعنى، أو المعنى فقط، وهناك نوعان لذلك:

  • النوع الأول: بعض العبارات قد تختلف في اللفظ والمعنى، مثل قولنا: `لا تدن من الأسد يأكلك`. في هذه الجملة، `لا تدن من الأسد` هي نهي وهي عبارة من الإنشاء من حيث اللفظ، والمقصود منها هو النهي عن الاقتراب. وكذلك المعنى هو إنشاء. أما الجملة الثانية فهي خبر عن النتيجة التي قد تحدث، وهي خبر باللفظ للتعبير عن الفعل المضارع بدون إدخال لون من ألوان الإنشاء، والمقصود بها هو المجرد إخبار بالحدث. ولذلك، فإنه يجب فصلها عن الجملة الأولى بسبب الانقطاع الكامل بينهما دون إيهام، ومن أمثلتها قوله تعالى: `ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن`.
  • النوع الثاني: يتعلق الأمر بالاختلاف في الخبرية والإنشائية في المعنى فقط، وهذا مثل قول الله تعالى: “خلق الله السماوات والأرض بالحق، تعالى عما يشركون”، فالجملة الأولى “خلق الله السماوات والأرض بالحق” خبرية لفظًا ومعنىً، والجملة الثانية “تعالى عما يشركون” خبرية في اللفظ ولكن معناها الدعاء وهو معنىً إنشائي، فاختلفت الجملتان في المعنى، حيث إن الأولى خبرية المعنى والثانية إنشائية المعنى، ولذلك يجب فصلهما عن بعضهما البعض لتحقيق الانقطاع الكامل دون إيهام.

شبه كمال الاتصال

والقاعدة هي أن تثير الجملة الأولى سؤالا يمكن للجملة الثانية أن تكون إجابته، حيث يتم فصلهما مثل فصل السؤال عن الجواب، ويكون ذلك مثيرا للاهتمام للمستمع عن طريق إثارة السؤال، ثم الإجابة عليه فيمكن المستمع من إدراكه بنفسه والتمتع بالاستكشاف، ويغنيه ذلك عن طرح السؤال، وهذا ما يعرف بالاستئناف البياني، وهناك ثلاثة أنواع، تعتمد على نوع السؤال الذي تثيره الجملة الأولى، وهي كالتالي:

الضرب الأول

السؤال عن سبب الحكم عام، فالمخاطب هنا فارغ الذهن، ولذلك لا يؤكد الكلام له، وهذا مثل قول الشاعر”.)

سألني كيف حالي، فقلت إنني مريض وأعاني من الألم والحزن

أثارت جملة “أنا عليل” سؤالًا حول السبب والأسباب التي أدت إلى الإصابة بالمرض، ويعتبر الجمع بين الجملتين بشبه كمال الاتصال بينهما لإجابة هذا السؤال.

الضرب الثاني

السؤال عن سبب خاص للحكم يتضمن فكرة نفي جميع الأسباب باستثناء سبب واحد فقط، وهذا السبب متردد في حصوله وعدم حصوله، ولذلك يؤكد الكلام هنا بشدة لتفادي التردد، ويُذكَر كمثال على ذلك قول الله تعالى: “وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ”، كأن السؤال هو هل النفس أمارة بالسوء؟ وجاءت الجملة الثانية للإجابة عن هذا السؤال، وأكدت الإجابة بقوة لتفادي التردد.

الضرب الثالث

السؤال حول السبب الخاص بالحكم العام، فالجملة الأولى تثير سؤالًا ولكنه بعيد عن دلالتها، مثل قوله تعالى: “قالوا سلامًا، قال سلامًا”، فكأن السائل يسأل: فماذا قال إبراهيم عليه السلام؟ وهذا السؤال ليس له علاقة بمعنى الجملة الأولى، وهذا النوع من الأسئلة يحدث كثيرًا في القرآن.

شبه كمال الانقطاع

والقاعدة هي أن يسبق جملة بجملتين يصح ربط الثالثة بالأولى، إذا كانت هناك علاقة مناسبة، ولا يجوز ربطها بالثانية لأن ذلك يفسد المعنى، فيترك الربط ليعطي انطباعا بأن الثالثة ترتبط بالثانية، على سبيل المثال قول الشاعر:

تعتقد سلمى أنني أحاول الحصول عليها، بينما هي تائهة في الظلام

هناك ثلاث جمل في البيت، وهي “تظن” و”أبغي” و”أراها”، وبين الجملة الثالثة والأولى هناك ارتباط مناسب. يحدث اتحاد المسندين في هذا الارتباط، لأن معنى “أراها” هو “أظنها”، وهذا أيضا ينطبق على المسند المحبوب في الجملة الأولى والمحب في الجملة الثالثة. ومع ذلك، تم ترك العطف، حتى لا يتم تفسير “أراها” بأنه يعتبر عطفا على “أبغي”. وبهذه الطريقة، يكون ما يعتقده سلمى أيضا هو غير مقصود. وهذا هو أيضا سبب قول الشاعر

    يقولون: `أنا أحمل الظلم لديهم`، فأعوذ بالله من أن يُظلم نظيري

اسباب الوصل بين الجمل

إذا لم يكن هناك شيء يربط بين الجملتين من الأحوال الأربعة التي تستدعي الوصل، يتم تحقيق الوصل في موضعين:

كمال الانقطاع مع إيهام خلاف المقصود

عندما تختلف جملتان في التركيب اللفظي والإنشائي، ولكن يتشابه معناهما، فإن فصل بينهما يسبب التباسًا ويجعل المتلقي يفهم غير المقصود. على سبيل المثال، عندما التقى أبو بكر الصديق رجلاً يحمل ثوبًا وسأله عما إذا كان يريد بيعه، فأجاب الرجل “لا يرحمك الله”، فأوصى أبو بكر الصديق بأن يقول “لا، ويرحمك الله” بدلاً من ذلك. في هذا المثال، الجملة الأولى “لا” خبرية لفظًا ومعنىً، بينما الجملة الثانية “يرحمك الله” خبرية لفظًا وإنشائيًا وتعبر عن دعاء. وفصل هذه الجملتين يسبب تباسًا ويجعل المستمع يظن أن الرجل يدعو عليه بينما القصد كان الدعاء له. لذلك، يجب دائمًا الوصل بين هذه الجملتين لتجنب أي تباس في المعنى، وإذا كان ذلك غير ممكن، يجب استخدام السكوت بدلاً من الفصل بينهما.

التوسط بين الكمالين مع وجود الجامع  

(أي التوسط بين حالتي كمال الانقطاع وكمال الاتصال، فإذا كانت الجملة الأولى ليس لها محل من الإعراب وهناك مناسبة بينهما، يتعطف الجملة على الجملة، وهذا ما يعرف بالجامع، ولهذا النوع من الجملتين ضربان)

الضرب الأول

يتفق الجملتان في الخبرية أو الإنشائية لفظًا ومعنىً عندما تكون كلمات الجملتين متطابقة في اللفظ والمعنى، كما في قوله تعالى: “إن الأبرار لفي نعيم. وإن الفجار لفي جحيم”، حيث توافقت الجملتان في الخبرية لفظًا ومعنى، وكان هناك مناسبة بينهما من خلال التضاد بين الصورتين، وهذا التضاد يحقق التقابل بين الأجزاء في الجملتين. وكذلك في قوله تعالى: “يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي”، حيث يكون التوافق هنا بين المسند والمسند إليه في الجملتين.

الضرب الثاني

إذا تفقت الجملتان في الخبرية أو الإنشائية من حيث المعنى فقط، فهذا يعني أن الجملتين متشابهتين في المعنى، وهذا مثل قوله تعالى: `قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون`، حيث تكون الجملة الأولى خبرية في اللفظ والمعنى، والجملة الثانية إنشائية في اللفظ وخبرية في المعنى، والمقصود هو أن الشخص يشهد الله ويشهد عليه الآخرون، وتتوفر المناسبة بين الجملتين وهي الاتصال بين المسند والمسند إليه في الجملتين، ولا يوجد أي مانع من العطف.

يمكن أن يكون الجمع بين شيئين عقليًا، أي أن العقل يشير إلى وجود صلة بينهما، كقولنا “محمد كاتب وعلي شاعر”؛ فهما متفقان في الحقيقة الإنسانية. ويمكن أن يكون الجمع وهميًا، أي من تصوّر الوهم التقارب بين الطرفين، كقولنا “بياض الفضة يجمل وصفرة الذهب تسر”؛ فالوهم يصورهما كما لو كانا نوعًا واحدًا. ويمكن أن يكون الجمع خياليًا، أي يتعلق بالصور الخيالية، كقوله تعالى: “أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ”؛ فترتيب تلك الأشياء في القرآن جاء كما كان يتصوره العرب في الصحراء.

 

تحدثنا اليوم عن موضوع الفصل والوصل وفقًا لعلماء البلاغة، واستند مصدر المعلومات في هذا المقال على كتاب بحوث في علم المعاني والذي ألّفه عدد من الأساتذة الكرام، بما في ذلك الأستاذ الدكتور صباح دراز والأستاذ الدكتور رفعت السوداني والأستاذ الدكتور شعبان عيد والأستاذ الدكتور وليد حمودة، الذي كتب القسم المتعلق بالفصل والوصل في الكتاب، والذي استند إلى المحاضرات التي ألقاها في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر الشريف. نسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناته وأن يعم النفع به للإسلام والمسلمين. ونرجو من الله تعالى أن يعلمنا وأن ينفعنا بما علمنا، وهو الحافظ والمقدر على ذلك. تابعونا على موسوعة ليصلكم كل جديد، ودمتم في رعاية الله             

         

       

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى