تدوين السنة في عهد الصحابة
تطلق كلمة `السنة` على السيرة في اللغة، سواء كانت هذه السيرة حسنة أو قبيحة. أما السنة عند علماء الحديث فهي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، وهي مرادفة للحديث والخبر والأثر. في هذا المقال، سنتحدث عن مراحل تدوين السنة وحال كتابتها منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم. تابعونا على موسوعة في بحث عن تدوين السنة. اللهم إنا نسألك فهم النبيين وحفظ المرسلين والملائكة المقربين
كتابة الحديث في العهد النبوي
العرب كانوا أمة أمية قبل بعثة الإسلام، واعتمدوا بشكل رئيسي على قوة حفظهم السريعة وذاكرتهم القوية، مما سمح لهم بتسجيل أخبارهم بدون الحاجة الكبيرة للكتابة. ثم جاء الإسلام وأولى اهتماما بتعليم المسلمين الكتابة، وحدث ذلك في غزوة بدر عندما جعل النبي محمد صلى الله عليه وسلم الأسرى متعلمين لعشرة من أهل المدينة. ومع ذلك، لا يزال هناك سؤال يطرح نفسه:
هل كتبت السنة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
هناك العديد من الأحاديث التي تحظر كتابة السنة وتدوينها، حيث جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه”، وقد جاءت روايات أن بعض الصحابة كانوا يكتبون، ومن تلك الروايات ما ورد في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: “ما كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب وأنا لا أكتب”، ويمكن الجمع بينهما بأن النهي منسخ، أو مرتبط بوقت نزول القرآن خشية اللبس، أو تشجيعا للحفظ.
وبالتالي، يمكن القول أن السنة كتب جزءًا منها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
تدوين السنة في عهد الصحابة
يشير هذا المقال في موقع موسوعة إلى أن جماعة من الصحابة والتابعين كرهوا كتابة الحديث واستحبوا عدمها، وذلك خشية أن يتلبس الكتابة بالقرآن، ولكن انتهى الأمر بظهور صحف وكتابات مشهورة ومتداولة مثل صحيفة سعد بن عبادة الأنصاري وكتب أبي هريرة وصحيفة أبي موسى الأشعري وصحيفة جابر بن عبد الله، ويمكن القول أن علوم الحديث والسنة نشأت في عهد الصحابة في أهم جوانبها.
ومن الدلائل القاطعة على ذلك، تقديم قصة التي جاءت جدة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لتطالب بحصتها من الميراث، فقال لها: “لم أجد لك أي شيء في كتاب الله، ولم أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لك أي شيء”، ثم استفسر من الناس، فقام المغيرة وقال: “حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاها السدس”، فقال له: “هل معك شاهد؟”، فأكد محمد بن مسلمة ذلك، فأنفذها أبو بكر رضي الله عنه).
تدوين السنة في عهد التابعين
امتنع بعض كبار التابعين عن الكتابة، مثل: بعضهم يدعى عبيدة بن عمر السلماني وإبراهيم بن يزيد التميمي، وكان البعض الآخر يكتب، مثل سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب، وقد تمت محاولات متعددة لجمع الحديث وتوثيقه، بما في ذلك:
- حاول عبد العزيز بن مروان والي مصر جاهدًا، وكتب إلى كثير بن مرة الحضرمي ليكتب ما سمعه من حديث أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.
- ثم حاول ابنه عمر بن عبد العزيز ذلك بعد طلبه من أبي بكر بن حزم، وتم نشر ذلك في الآفاق
اول من دون السنة النبوية
تعتبر المحاولة الأولى لجمع الحديث وتدوينه بشمول واستقصاء كل ما كان من الإمام محمد بن شهاب الزهري، عندما استجاب لدعوة عمر بن عبد العزيز، وذلك مهد الطريق للذين جاءوا بعده، وبعد ذلك زادت التدوين والتصنيف.
ثم بدأ كبار أهل الطبقة الثالثة في كتابة الأحكام، وألف الإمام مالك كتاب “الموطأ”، وفعل ذلك غيره من التابعين الذين اتبعوا أثر الأئمة الكبار مثل الإمام أحمد، ودخلت السنة في مرحلة جديدة هي مرحلة كتب الرواية، وافتتحها الإمام مالك، وقام الإمام البخاري بتأليف كتب مهمة في هذا المجال وأصبح خبيرًا فيه.
اول من صنف في الصحيح
تتلخص فكرة هذا الموضوع في أن بعض العلماء يرون أن الإمام مالك هو أول من صنف الصحيح، ويتفقون مع شهادة الإمام الشافعي بأن الموطأ هو الكتاب الذي يأتي بعد كتاب الله تعالى من حيث الصحة. وأما أول من صنف الصحيح المعتبر وفقًا لشروط وأوصاف أئمة الحديث، فهو الإمام البخاري، وتلاه الإمام مسلم بعد ذلك.
تتعلق هذه المراحل بتدوين السنة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحتى بداية تصنيف الإمام البخاري رضي الله عنه. نسأل الله أن نكون من الذين يحيون سنة حبيبهم المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأن يسقينا من حوضه الشريف شربة لا نظمأ بعدها أبدًا. تابعونا على موسوعة، لتصلكم كل جديد، ودمتم في أمان الله
المصدر:
مقدمة في علوم السنة المشرفة لمحمد طه إسماعيل التميمي (بتصرف)
