تفسير التحرير والتنوير يمتاز
كتاب تفسير للقرآن الكريم مؤلفه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، قام بكتابة هذا الكتاب خلال خمسين عاما من العمل الجاد، ويتميز هذا التفسير بالاهتمام بالنواحي البلاغية في القرآن الكريم، كما يعد من التفاسير المجددة في علم التفسير، إذ لم يعتمد بشكل كبير على التفاسير القديمة، وتحدث بشكل مختلف عن الكثير من الموضوعات التي تم تفسيرها بالفعل، وأضاف إلى ذلك نظرية النظم التي اعتمد عليها في تفسير النواحي البلاغية في القرآن الكريم، ويأتي اسم الكتاب الأصلي (تحرير المعنى السديد وتنير العقل المجيد متفسر الكتاب المجيد)، وبهذا المقال نتعرف على مؤلف كتاب التحرير والتنوير، ومميزات هذا التفسير الرائد في علم التفسير.
مؤلف الكتاب
- هو الإمام محمد الطاهر بن عاشور، عالم وفقيه تونسي، ينحدر من أسرة أندلسية، ولد ونشأ في تونس عام 1879 ميلادية / 1297 هجرية وتعلم في جامع الزيتونة، وأصبح من كبار الأساتذة في هذا الجامع العريق، الذي يُعد أحد أبرز مراكز العلم في العالم العربي.
- تقلد الإمام مناصب شرعية متعددة، فكان حاكمًا في المجلس المختلط، ثم قاضيًا شرعيًا، ثم مفتيًا، ثم شيخ الإسلام، ثم أصبح أول شيخ (عميد) لجامعة الزيتونة.
- يعد صاحب أسرع خطبة في التاريخ، وهي خطبة مشهورة وموجودة، حيث قال فيها: “لا خير في صلاتكم ونساؤكم عرايا.
- ألف الكثير من الكتب، ووصل إلى أربعين مؤلفًا في مختلف العلوم، وأشهر كتاب له هو تفسير التحرير والتنوير، حيث كتب في العلوم الشرعية والعربية بمختلف فروعها، وشارك في مختلف المجلات والصحف.
- كان الشيخ يؤمن بقضية بلاده تونس، وهذا ما أدى في النهاية إلى عزله من منصبه، لكنه عاد بعد الاستقلال. كما كان أول من قدّم العربية في تونس بعد أن حكمت الثقافة الفرنسية عليها، وشارك في إحياء اللغة العربية.
- توفي رحمه الله( 1973م-1393هـ).
التعريف بكتاب التحرير والتنوير
- كان تأليف الكتاب أمنية يتمناها الشيخ ابن عاشور، ولكنه تردد كثيرًا في تأليف ذلك العمل العظيم، حتى عقد العزم على الشروع في التفسير بعد الاستخارة.
- بدأ الكاتب في تأليف هذا التفسير عام 1341هـ وانتهى منه عام 1380هـ، وكانت مدة تأليفه 39 عامًا وبضعة أشهر، وقضى تلك المدة بكونه مشغولاً في الحياة، إذ كان يعمل كأستاذ في جامعة الزيتونة.
- يتكون التفسير من 30 جزءًا في 15 مجلدًا، ويحتوي على 11،197 صفحة، بالإضافة إلى صفحات الفهارس.
- تم طباعة الكتاب في دار سحنون للنشر والتوزيع في تونس.
تفسير التحرير والتنوير يمتاز
تفسير التحرير والتنوير” يتميز بالعديد من المميزات، حيث يعتبر الكتاب موسوعة شاملة للمعارف، إذ ابتكر الإمام منهجا جديدا في التفسير لم يسبقه إليه أي من علماء التفسير السابقين، وقد بذل الإمام قصارى جهده واستخدم قدراته العقلية والعلمية ليتجلى فيه مهاراته وميزاته الفريدة، ويشمل ذلك:
العناية بالحديث الشريف
غالبًا ما تورد الأحاديث النبوية وتوضح الحديث الصحيح والضعيف، ونادرًا ما يذكر الحديث دون بيان درجته.
الثقافة الفقهية
يذكر المسائل الفقهية التي تنبع من تفسير الآيات الكريمة وتتضمن أحكامًا، ويفضل الرأي الفقهي الصحيح بعد ذكر الآراء الفقهية المختلفة، كما يتناول المسائل الفقهية المعاصرة.
العناية بالقراءات
يوفر قراءات وترجح الحكم بناءً على قراءة محددة.
العناية بمقاصد الشريعة
يعتبر هذا العلم باعثًا للتقدم في العصر الحديث، إذ يوضح المصالح العليا والأهداف الكبرى التي يتم بناء التشريع عليها.
تعليل الأحكام
فعند ذكره لأي حكم، يتأكد من بيان السبب الذي دفع لشرع ذلك الحكم، ومدى ملاءمته للطبيعة البشرية، وتسامح الشريعة الإسلامية في هذه الأحكام.
اهتمامه بالقواعد الأصولية
يهتم بالتفسير وفق ما يسمح به المقام وما يواجهه
العناية بالمسائل النحوية والصرفية
يحتوي التفسير على العديد من الأعراب وآراء النحاة والصرفيين المختلفة، ويتم ترجيح ما يُعتبر الصواب.
إيراده مسائل فقه اللغة
فنجده يتطرق لتلك المسائل كمسألة نشأة اللغة في قوله تعالى: وعَلِّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا {البقرة}، وغيرها من قضايا فقه اللغة مثل المشترك والمتضاد والمترادف.
العناية بالبلاغة العربية وأساليب البيان
كان الجانب الأبرز الذي تم تفسيره في التحرير والتنوير هو… وسنتحدث عنه بشكل منفصل بعد ذكر الميزات.
العناية بالقصص القرآني
يروي قصص الأمم والأنبياء ويوضح العبر المستفادة من تلك القصص.
الإشارة إلى الكتب السماوية
غالبًا ما يتم نقل المعلومات من خلال النقول الشفوي، ويتم توضيح الأخطاء فيها وتأكيدها من خلال الاستناد إلى القرآن الكريم والتأكد من مطابقتها للآيات أو عدم مطابقتها.
التنويه بأمهات العبادات ومكارم الأخلاق
يتحدث عن فوائد الصلاة والصيام والصبر والشكر، ويحذر من مساوئ الأخلاق ويوضح سوء عواقبها.
الاهتمام بأصول التربية والتعليم
فالقرآن الكريم يعتبر معلمًا، ويتحدث عن أسباب تقدم المستوى التربوي والتعليمي من وجهة نظره.
الاعتزاز باللغة العربية
على الرغم من أن اللغة العربية في ذلك الوقت كانت تعاني من الجمود بسبب الظروف السياسية والاجتماعية، إلا أن الشخص يفخر بلغته العربية.
العناية بمبتكرات القرآن
يشير ذلك إلى ما يميز أسلوب القرآن الكريم عن أساليب كلام العرب الأخرى، بالإضافة إلى ربط هداية القرآن بالخير في الدنيا والآخرة.
ثقافته الواسعة
يلاحظ المتعلم من التفسير أن تأثير الشيخ يظهر على عمله بوضوح، حيث يمكن للقارئ أن يجد تأثير ثقافة الشيخ الواسعة على كتاباته. وبالفعل، فإن الشيخ استفاد من العديد من التخصصات المختلفة، بما في ذلك التاريخ والجغرافيا والفلسفة والطب والأحياء والفلك والطبيعة وعلم النفس والحيوانات والطيور والمعادن وما يتعلق بجوانب الأرض الداخلية.
ذكر النوادر
يذكر الشيخ النوادر المختلفة كدليل على آرائه، وكذلك لتخفيف العبء عن القارئ وتسليته
احترام المشايخ والأمانة العلمية
ينسب كل رأي إلى صاحبه، ويشيد بصاحب الرأي وبالشيوخ الذين تعلم منهم، كما يتمسك بالعدل في الحكم على الرأي دون آخر.
جزالة الأسلوب
وبما أنه أديب بارع، فإنه يستخدم أسلوبًا متينًا وفعالًا ومناسبًا للموضوع الذي يناقشه.
طول النفس
عندما يذكر موضوعاً، فإنه يستمر في تناوله حتى يستقصيه بطريقة تجعله فهماً واضحاً دون الحاجة لطرح أي أسئلة غير ضرورية.
المراجعة
كان يراجع الكتاب بعد إنهائه وقبل الطباعة، ليسترد ما نسيه أو تركه ويذكر ذلك في الهامش.
كثرة الاستشهاد
كان لا يذكر رأيه إلا بعد استشهاده بالأحاديث والأشعار والأمثال والحوادث العامة.
البلاغة في تفسير التحرير والتنوير
هذا الكتاب يعد واحدا من أكثر التفاسير الغنية بالمسائل والنكت والدقائق البلاغية، حيث يوضح كل آية بطريقة تبين مضمونها من خلال فنون البلاغة المشتملة عليها، ولذا نجد التالي في منهجه البلاغي في التفسير:
كثرة إيراد المصطلحات البلاغية
يسمى النكتة البلاغية بعد تقديمها بإيغال أو إيجاز أو تشبيه أو استعارة أو غير ذلك.
بيان مناسبة الآيات
يوضح السياق الذي تلي تلك الآية الأخرى، ويقول إن البحث في تناسب السور ليس واجبًا على المفسر.
بيان أغراض السورة
توضح هذه السورة السبب والهدف العام من وجودها من وجهة نظر البلاغة.
تطبيق نظرية النظم
هي نظرية بلاغية ألفها الإمام عبد القاهر الجرجاني، تتحدث عن علاقة الكلام بين بعضه وعن أوجه تعليق الكلام ببعضه، وكيفية تأثير المعاني النحوية والصرفية في البلاغة وانعكاسها عليها بشكل عام. وتشير إلى أنه يجب اختيار المعنى الصرفي النحوي الأنسب والمناسب للمقام، وقد قام الإمام الطاهر ابن عاشور بتطبيق تلك النظرية على آيات القرآن الكريم، وبين كيف أن القرآن الكريم هو منتهى البلاغة والإحكام في النظم، وأورد الشيخ نكات البلاغة المختلفة.
في النهاية، يعد هذا الكتاب بالفعل واحدًا من أهم كتب التفسير، ويأتي أهميته من مميزاته المختلفة التي ذكرناها، بالإضافة إلى أنه يطبق نظرية النظم في تفسير القرآن الكريم ويغطي مختلف العلوم. وكانت أهم ميزة لهذا الكتاب هي كونه مجددًا للفكر التفسيري في العصر الحديث. لذلك، من الواجب على كل مسلم أن يطلع على هذا الكتاب العظيم، فمهما كان تخصصه، فلا بد أنه سيجد فيه ما يمكنه الاستفادة منه، بالإضافة إلى معرفة تفسير كلام رب العالمين. تابعوا موسوعتنا ليصلكم كل جديد، ونعتذر إذا كنا قد أطلنا عليكم.
المصادر:
كتب الدكتور سعيد إبراهيم الدويكات مدخلًا لتفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، والذي يتناول عناية ابن عاشور بالسياق وأثرها في تفسيره، والذي يعد من أهم التفاسير الإسلامية للقرآن الكريم للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد.
