إنشاء عن الأم
الأم هي مصدر الرعاية والحنان والعطاء اللا محدود، وهي المرشدة في طريق الإيمان والهدوء النفسي، والمصدر الذي يحتوينا ليزرع فينا بذور الأمن والطمأنينة. وهي إشراقة النور في حياتنا، ونبع الحنان المتدفق، بل هي الحنان نفسه يتجسد في صورة إنسان. وهي المعرفة التي تعرفنا أن السعادة الحقيقية في حب الله، وهي صمام الأمان. ولن نستطيع أن نحصي وصف الأم وما تستحقه من بر وتكريم وعطاء، لأنها تستحق الكثير، ولكن نحصرها في كلمة واحدة هي النقاء والعطاء بكل صوره ومعانيه. وكلمة الأمومة مشتقة من الأم، وتعني “أم كل شيء”، والأم هي منبع الإحسان، وعاطفة تركزت في الأنثى السوية، تدفعها إلى مزيد من الرحمة والشفقة والحنان. والأم هي التي يستعطفها الناس ويسترحمون بها، وترمز إليها الحنان والرحمة والشفقة. وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم قول النبي هارون عليه السلام: “إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، فلا تشمت بي الأعداء ولا تحزني علي، واجعلي معي إلى ربك فتحسبني من القوم الظالمين” (الأعراف: 150)، وقول النبي موسى عليه السلام: “يا بن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي” (طه: 94)
حق الأباء والأمهات على الإنسان
لا يمكن لأي إنسان أن يحصي أو يقدر حق الآباء والأمهات على أبنائهم، ولو استطاع الأبناء حصر ما فعلوه من تضحيات في سبيلهم، لكن هذا الحق فوق الوصف، خاصة ما قدمته الأم من جهد وتعب في تحمل الحمل والولادة والإرضاع والسهر ليلاً ونهاراً لرعاية أبنائها. ومنذ سنوات تم تخصيص يوم للاحتفال بالأم، ويحدث في 21 مارس ويسمى عيد الأم، وهو تكريم وامتنان من الأبناء للأمهات وتقديم الهدايا اعترافاً بفضلها وجميلها. في الواقع، هذا السلوك لا يعتبر تكريمًا للأم بما أن الإسلام كرمها طوال حياتها وبعد وفاتها، ولم يخصص لها يوماً معيناً للاحتفال بها، ويجب أن يكون التكريم والبر بها ورعايتها مستمرة في كل لحظة يشهد عليها الأيام والمحبة الحانية. وإذا تأملنا ما يحدث في هذا اليوم ونظرنا للواقع، نجد أن عيد الأم هو يوم الحزن العالمي في العديد من بيوت المسلمين. في هذا اليوم، هناك من يبكي لأن أمه قد توفيت، وآخر يبكي لأنه مسافر بعيداً عن أمه، واليتيم يتألم بسبب الفراق ويشعر بالألم لعدم رؤية أمه وهي تلده. وهناك ابنة تستعد للزواج ولكنها تحمل داخل قلبها حزناً لأن أمها لم تعد حاضرة في هذا اليوم المهم. لذلك، عيد الأم يكون يوم حزن أكثر من فرح للمسلمين. لمن فقدوا أمهاتهم أو لم يحظوا برعايتها في الحياة، فلا يبكون أو يحزنون في هذا اليوم. إن أغلى هدية يمكن تقديمها للأم في هذا اليوم هي الدعاء لها بالمغفرة والرحمة وأن تتصدق على روحها للفقراء والأيتام والمحتاجين، متطلعين لرحمة الله بها ودعائه بأن يجمعها مع الصالحين بعد وفاتها. هذه الأعمال هي التي تجلب السعادة والرضا للميت بعد وفاته، وهكذا يمكن أن نستفيد منهذه الأعمال في اليوم الذي يعتبر فيه عيد الأم، ونشعر بالراحة والسعادة
التاريخ لا يعرف دينًا أو نظامًا قد كرّم المرأة بمكانة الأم وعلو شأنها، مثلما جاء بذلك دين محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي رفع من مكانة الأم في الإسلام وجعل البر والإحسان إليها من أصول الفضائل، وجعل حقها أعظم من حق الأب، نظرًا للمشاق التي تحملها من حمل وولادة وإرضاع وتربية الأبناء. وهذا ما يؤكده القرآن الكريم ويُذكر في أكثر من سورة، ليثبته في عقول الأبناء وقلوبهم. ولقد كرّم الإسلام الأم وأعطاها مكانة عظيمة، إذ هي التي تحمل وتنجب وتربي وتضحي، وتحافظ على نعمة الأمومة التي أنعم الله بها عليها، وتعلم وتقوي لتخرج جيلًا يشع بالإيمان والحب والخير والعطاء الكثير والوفاء الكبير. لذلك فإنّ الأم غالية وشامخة في كل يوم، ويجب علينا تكريمها وبرّها في كل لحظة، سواء كانت على قيد الحياة أو في رحاب الله والجنة تحت أقدام الأمهات. ومن واجب الإنسان أن يبرّ أمه ويحترمها، ويدرك أنه مهما قدّم لن يوفي حقها، وأنها طالما تحملت من أجله ليعيش ويسعد ويفرح
ركز القرآن الكريم بشكل خاص على حق الأم ورعايتها، حيث تتحمل الكثير من الأعباء لتضمن حياة سعيدة لأبنائها. أمر الله سبحانه وتعالى ببر الأم وحرم العقوق لها، وربط رضاه برضاها. كما أوصى الدين بمعاملة الأم بالحسنى والإحسان إليها، وذلك احتراماً وعرفاناً بدورها وفضلها، والبر بالأم يعني الاهتمام بها وتقديرها والطاعة لها في الأمور الحلال، والسعي لرضاها في كل شيء، حتى في الجهاد الذي يعتبر براً للأم إذا كان فرضاً كفاية، ولا يجوز القيام به من دون إذنها
آيات قرآنية عن الأم :
قال الله تعالى :
- وصلنا في القرآن الكريم أمرًا بأن نحسن معاملة الوالدين ونكافئهما على حمل الأم والتعب الذي واجهاه في تربيتنا، وعلى العمل الدؤوب الذي بذلوه في رعايتنا وتربيتنا خلال فترتي الرضاعة والفطام، ونشكرهما على ذلك، وينبغي عدم الاستماع لوالدينا فيما يخالف أوامر الله، والتزام العدل والإحسان معهما، والابتعاد عن مخالفة شرع الله
- ووصينا الإنسان بإحسان معاملته لوالديه، حيث حملته أمه وهي غير راغبة، وولدته وهي غير راغبة، ورعاه ونشأه لمدة ثلاثين شهرا” (الأحقاف: 15)
- “حُرمت عليكم أمهاتكم” (النساء:23)
- “وما جعل أزواجكم اللائي تُظاهرون منهن أمهاتكم” (الأحزاب: 4 )
- يقول الله تعالى في سورة المجادلة: “الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هُنَّ إلا أمهاتهم، إنْ أمهاتهم إلا اللائي ولَدْنهم”
- يوم يهرب المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وأولاده، ولكل شخص منهم يومه الخاص الذي لن يفيده فيه أحد” (سورة عبس: 34-36)
- لا يوجد ضرر على العمي ولا على الأعرج ولا على المريض ولا عليكم أنفسكم إذا أكلتم من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم” (النور:61)
- “ما كان أبوك امرأ سَوء وما كانت أمك بغياً” (مريم: 28)
- في حال عدم وجود ولد للمتوفى وورثه أبواه، يحصل الثلث من الميراث للأم، وإذا كان هناك إخوة، فتحصل الأم على السدس
- “ولما رجع موسى إلى قومه غضبانَ أَسِفاً قال: بئسما خَلَفْتُموني من بعدي أَعَجِلْتُم أمرَ ربّكم وألقى الألواحَ وأخذ برأسِ أخيهِ يجرُّهُ إليهِ قالَ ابنَ أمَّ إن القومَ استضعفوني..” (الأعراف: 150)
- “يا بنَ أُم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي” (طه:94)
الأم التي تحملت
حث النبي صلى الله عليه وسلم على الوصية بالأم، لأن الأم هي الأكثر شفقة وعطفاً، حيث تحمل آلام الحمل والولادة، وتعتني بالرعاية والتربية. ولذلك، فإن الأم هي الأولى بحسن المعاملة ورد الجميل، وبعدها يأتي دور الأب الذي يتحمل مسؤولية النفقة والرعاية. ويجب علينا أن نرد له الجميل في كبره، ويقدم الإسلام البر بالأم على الأب لسببين :
أولاً: تعاني الأم بالحمل والولادة والإرضاع والعناية بطفلها أكثر مما يعاني الأب، سواء كان الطفل ذكرًا أم أنثى، وتأتي هذه الحقيقة صريحة في قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ۖ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان: 14)
ثانياً: يذكر أن الأم بفعل فطرتها تتمتع بالمزيد من الرحمة والعناية والاهتمام بالأبناء من الأب، إذ قد يكون الابن أكثر تساهلاً في حق أمه بسبب الظواهر التي يراها من عطفها ورحمتها وحنانها. لذلك، أوصت الشريعة الإسلامية الأبناء بأن يكونوا أكثر براً وطاعة لأمهم لكي لا يتساهلوا في حقها ولا يتجاهلوا برها واحترامها وإكرامها. ومن المؤشرات التي تؤكد حنان وشفقة الأم على ابنها، أنها تنسى كل شيء وتحتضنه عندما يصاب بمصيبة أو يتعرض لكارثة. وفي حديث عن أبي هريرة، ذُكر أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحق الناس بحسن صحبته، فأجابه النبي: “أمك”، وسأله الرجل مرتين، فأجابه النبي في كل مرة بـ “أمك”، ثم سأله الرجل: “ثم من؟.” فأجابه النبي: “أبوك”، وهذا يعني أن الأم هي الأولى والأهم بالنسبة لحسن المصاحبة والرعاية والرفقة. وتعد الأم التي حملت وولدت وربت الأبناء هي الأفضل في هذا الشأن، ويأتي هذا الحديث ليؤكد أن محبة الأم وشفقتها يجب أن تكون ثلاثة أضعاف محبة الأب، لأن الأم تتعرض لثلاث مشاق تختلف عنها الأب. ومن العجيب أن الإسلام أمر ببر الأم حتى لو كانت مشركة، وقد سألت أسماء بنت أبي بكر النبي صلى الله عليه وسلم عن صلة أمها المشركة، فأجابها بأنه يجب عليها أن تصلي لأمها
أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأم :
- قال رسول الله صل الله عليه وسلم : يعني هذا القول الشهير `الجنة تحت أقدام الأمهات` أن علينا أن نتحلى بالأدب واللطف مع أمهاتنا، ويجب علينا تجنب أي كلمة أو فعل يزعجها أو يسيء إليها أو يؤذيها، ولا يجوز للأبناء أن يتحدثوا بكلمة توحي بالضجر أو التذمر بسبب أي شيء يضايقهم من سلوكيات الأم
- جاء رجل إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فقال : (أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، فقال: هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي. قال: فاسأل الله في برها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد)
- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن العمل الأحب إلى الله، فأجاب: “الصلاة على وقتها.” فقلت: ثم ماذا؟ فقال: “ثم بر الوالدين
- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : يعبر هذا المثل عن أن رضا الله يتوقف على رضا الوالدين، وسخط الله يتوقف على سخط الوالدين
- روى معاوية بن حيدة عن جده وأبيه وعن النبي صلى الله عليه وسلم أن أبر الناس هي الأم، وأن الأب ثم الأقرب فالأقرب من الأبراء
- عندما جاء إليه رجل وقال: لقد خطبت امرأة ولكنها رفضت الزواج مني وقبلت خطبة شخص آخر، وأرادت أن تتزوجه، وأغرته فقتلتها. هل لدي فرصة للتوبة؟.” قال له: “هل والدتك حية؟.” فأجاب: “لا.” فقال له: “توب إلى الله وتقرب منه بقدر استطاعتك.” ثم ذهب الرجل وسأل ابن عباس لماذا سألته عن حياة أمه؟ فأجاب: “لأن بر الوالدة هو من أعظم الأعمال التي تقرب الإنسان من الله عز وجل
- قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: قدمت على أمي وهي مشركة في عهد رسول الله، فاستفتيت رسول الله قلت: قدمت على أمي وهي راغبة، فهل أنا أصل أمي؟ قال: نعم، صل على أمك. متفق عليه
- ورجل جاء إلى النبي “صلى الله عليه وسلم” فقال: (يا رسول الله، أرغب في الغزو وأنا أستشيرك، فقال: “هل لديك أم؟.”، قلت: نعم، فقال: “فابق معها فإن الجنة تحت قدميها
- ورجل جاء إلى النبي “صلى الله عليه وسلم” يسأله: سُئل النبي: `من أحق الناس بصحبتي يا رسول الله؟` فأجاب: `أمك`. فسأل: `ثم من؟` فأجاب: `أمك`. فسأل: `ثم من؟` فأجاب: `أمك`. فسأل: `ثم من؟` فأجاب: `أبوك`
- ويروى أن رجلا كان بالطواف حاملا أمه، فسأل النبي “صلى الله عليه وآله وسلم” (هل أديت حقها؟ قال: «لا، ولا بزفرة واحدة»)، أي بزفير الطلق والوضع ونحو ذلك
- وعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: “ما تأمرني؟.”، فقال: “بر أمك”، ثم عاد فقال: “بر أمك”، ثم عاد فقال: “بر أمك”، ثم عاد الرابعة فقال: “بر أمك”، ثم عاد الخامسة فقال: “بر أباك
كيف رعى الاسلام الامومة
يعتني الإسلام بالأمومة وحقوقها وعواطفها، ومن بين هذه الرعاية، جعل الأم المطلقة أحق بحضانة أولادها، وذلك تقديرًا لمكانة الأم في الإسلام وأولويتها في حق الأبناء، حيث قالت امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني!” فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم: “أنتِ أحق به ما لم تنكحي.” ولأم الذي اهتم به الإسلام هذه الرعاية والحقوق، عليها أن تحسن تربية أبنائها، فتغرس فيهم الفضائل وتبغض الرذائل، وتعلمهم طاعة الله، وتشجعهم على نصرة الحق ولا تثنيهم عن الجهاد بسبب عاطفة الأمومة، بل تغلب نداء الحق على نداء العاطفة. ولقد رأينا أمًا مؤمنة مثل الخنساء في معركة القادسية تحرّض أبناءها الأربعة وتوصيهم بالإقدام والثبات بكلمات بليغة ورائعة، وعندما انتهت المعركة، نعتهم جميعًا، ولم تول ولا صاحت، بل قالت برضا ويقين: “الحمد لله الذي شرّفني بقتلهم في سبيله
من بين الأمثلة الرائعة التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم عن الأمهات المثاليات، مثل مريم وأم موسى عليهما السلام، كنموذج للمؤمنات :
تمنح الله تبارك وتعالى مريم عليها السلام سورة كاملة باسمها في القرآن الكريم، ويحكي فيها عن قصتها منذ حمل أمها بها ونذرتها لله سبحانه، وحتى حملها بعيسى عليه السلام، وتتضمن السورة قصتها مع قومها ويذكر الله فيها: “وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى رَبْوة ذات قرار ومعين” ( المؤمنون: 50)، و “وأمه صدِّيقة” (المائدة:75)
أُم موسى هي امرأة ذكرها القرآن الكريم وحكى قصتها مع ابنها في زمن فرعون. عندما وحى الله تعالى إليها بأن ترضع ابنها وتلقيه في النهر إذا خافت عليه، ووعدها بأن يعيده إليها ويجعله من المرسلين، فلما ألقت به في النهر، كانت قلوب أمه مليئة بالألم والحزن. لكن الله سبحانه وتعالى رعى هذه المشاعر الأمومية بحقها وأعاد الابن إلى أمها، وهذا كان بمثابة منة عظيمة من الله تعالى. وقد قال الله سبحانه وتعالى: “فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن” في سورة القصص الآية 13
من يطيع الله ورسوله ينال رضا الله وحبه ويحظى بمكانة في الجنة، ولذلك يجب علينا أن نطيع أمهاتنا التي وصانا بهن الله ورسوله ونحسن معاملتهن، فرضاهن هو رضا الله العظيم