ما هو تعريف التسامح ؟
التسامح من الصفات التي بدأت تندثر في مجتمعنا مع ظهور الرفاهية وتوفر المال، وهي الصفة التي يعتمد عليها التعامل الإنساني الصحيح لإعمار الأرض.
مع بدء الغياب، ينتشر العنف والانتقام في المجتمع، ونبدأ في رؤية سلوكيات متطرفة وعدائية بين الناس حتى داخل المنازل والأسر.
يتسم الشخص المتسامح بصفات أخلاقية عديدة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتسامح، ونادرًا ما نجد متسامحًا عدوانيًا أو حاملًا للعداء أو الانتقام أو الخصومة، ولمزيد من المعلومات، يمكن الرجوع إلى الموسوعة .
ما هو التسامح في اللغة والاصطلاح العربي
-
جاء في لسان العرب لابن منظور عن التسامح
السماح أو المسامحة، هي نوع من الكرم والجود، ويعني الموافقة على الطلب أو السماح بشيء، والتسامح يعني الصفح والتسامح مع الآخرين، والمسامحة تعني الرحمة والصفح عن المسيئين.
-
جاء في تعريفه اصطلاحا
التسامح هي كلمة تستخدم للإشارة إلى الممارسات الجماعية أو الفردية التي تستند إلى نبذ التطرف أو مطاردة كل من يتصرف بطريقة مخالفة للمجتمع. والتسامح الحديث يدل على قبول اختلاف الآخرين – سواء في الدين أو العرق أو السياسة – وعدم إجبارهم على التخلي عن هويتهم
السماح والمسامحة من الصفات الحسنة، ولكن الأهم هو الابتعاد عن العنف والظلم، ويجب أن يتمتع الشخص بالقدرة على ذلك، ولكن هذا لا يعني التذلل والاستسلام للظالم إذا كان يتجاوز الحدود، بل يجب الوقوف ضده ومواجهته.
التسامح مع الآخرين يكون فيما لا يضر، أو فيما يمكن نسيانه وتجاهله بصدق وإخلاص من القلب والعقل، والتسامح ينبع من فطرة الإنسان النقية، ولا يتطلب نسيانًا قسريًا.
فوائد التسامح مع الغير
- محاربة الشيطان وهوى النفس الأمارة بالسوء.
- تجنب العداوات والإساءات والتشهير.
- التعامل الجيد والتعاون وتحقيق المصالح الشخصية لك أو لمن تريد.
- محبة الصغير والكبير للمتسامح كبيرة.
- تتضمن خصلة من صفات أهل الجنة ترضي الله الكريم.
- قدوة حسنة للأخرين.
- يزيد الصدق والإخلاص من جمال المتواضع ويعزز شأنه.
- اكتساب مزيد من المعارف والصداقات.
- يعزز صفات الرفق واللين والرحمة في القلب.
- اكتساب الاحترام والتقدير.
- يُردّ كيد المعتدين عليهم بضربهم بنفس الضربة وشعورهم بصغر حجمهم.
- يساعد في تعزيز قيمة المساواة ورفض التعصب الطائفي والعنصري.
- حل المنازعات والخلافات الدولية والأقليات والأغلبية بالدول يضمن الوحدة والاستقرار الاجتماعي.
- تضمن حرية المشاركة والتعبير بالسلمية دون خوف من أي نوع من أنواع الاضطهاد السياسي أو العسكري أو الطائفي.
- تنمية قيمة التماس الأعذار للأخرين.
- التخلص من الشكوك والتفكير السلبي، أو ما يُعرف بالذات السلبية.
التسامح في الإسلام
يشكل السلام والإسلام ارتباطًا وثيقًا ومتلازمًا لا يمكن تجزيئهما، حيث يتصف الإسلام بالسلام كأساس، ويعد السلام من أسماء وصفات خالق الأرض والسماء، ويضم في طياته قيم الرفق والتسامح والمسامحة.
على الرغم من الظروف الصعبة التي يواجهها المسلمون في العالم، والتي تتضمن العنف والانتقام والوصف الكاذب والاتهام بالإرهاب، إلا أنهم لا يردون بالمثل ولا يلجأون إلى الوحشية التي تمارس ضدهم، والتي تصدر من بعض الدول المتعصبة ضدهم.
في حالة غياب قيم التسامح، يتكون وحوش مدمرة في الأرض، تهدد حياة البشر وتملأها بالحقد والكراهية والانحراف والاستخفاف بالذات، وبالإضافة إلى ذلك، يتعرضون للتشويه والبغض من الآخرين، وهذا ما حاول الإسلام تفاديه.
حث الإسلام على التسامح والعفو والرأفة والرحمة والتواصل والأمر بالمعروف والقدوة الحسنة، وهذه جميعها صفاتٌ يتحلى بها الشخص المتسامح، بعكس الشخص المنتقم أو الحقود الذي يخفي الغل والتربص والمشاحنات في دواخله وظواهره، ويتحلى بمظاهر القسوة والشدة والنفور والعداء والعنف والسلوك اللفظي والجسدي غير الإنساني والأخلاقي.
ومن أدلة التسامح في القرآن الكريم
- وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟
- ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة، كأنه ولي حميم
- (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ)
ومن السنة النبوية، نجد أفعالًا كثيرة للنبي -صلى الله عليه وسلم- مع أعدائه وأسراه ومخالفي العهود، متمثلة في التسامح والعفو بالوسطية والقدرة والحلم، وهذا يجعلها دستورًا وقانونًا ينظم العلاقات في عصرنا الحالي.
واحد من أشهر مظاهر تسامح النبي صلى الله عليه وسلم كان عند فتح مكة، حيث عفو عن أهلها رغم أنهم كانوا قد آذوه وأذوا أصحابه المؤمنين، وقال لهم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، وردوا بأنه أخ كريم وابن أخ كريم.
هذا ما حدث في بداية دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في طائفة الذين جرحوا قدميه وعصوه، فلما شكا لربه وأرسل إليه ملك الجبال عارضًا عليه أن يسحقهم بين الجبلين، رفض الرسول صلى الله عليه وسلم هذا العرض رغم الأذى الذي لحق به والألم، وقال:
لا يا أخي، اللهم اهد قومي إنهم لا يعلمون، أتمنى أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به أي شيء
- روى الإمام مسلم عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت:
لم يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي شيء بيده، سواء كانت امرأة أو خادم، إلا للجهاد في سبيل الله، ولم يأخذ شيئا من أحد إلا إذا انتهك محرمات الله، فإذا حدث ذلك فإن الله عز وجل سينتقم منه
- من يكتم غضبه، وهو قادر على التصرف به، فإن الله يملأ قلبه بالسكينة والإيمان
يُعَد التسامح الديني من القواعد السياسية والاقتصادية التي تنظم التعامل الإسلامي مع أهل الذمة الذين يختلفون عن المسلمين في عقيدتهم، ويتضمن هذا التعامل السلمي معهم وعدم الإعلان عن العداء المدمر للأرواح والإهانة للإنسانية والدين والإله.
قال عزوجل
ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم كفارا حسدا، بعد أن تبين لهم الحق، فاعفوا واصفحوا، حتى يأتي الله بأمره، فإن الله على كل شيء قدير
التسامح هو العفو، والعفو هو اسم من أسماء الله تعالى، ومن يتسم بالمسامحة فهو يعكس صفات الله تعالى ويكفيه هذا الشرف، ويتعرض لعفو الله تعالى ورحمته.
يعتبر المسامحون أكثر سعادة في حياتهم الدنيا بالمقارنة مع الآخرين، حيث يدركون قيمة المسامحة وتأثيرها الإيجابي الذي يشمل كافة المجالات الحياتية على الصعيد الجسدي والروحاني. ولم يثبت وجود أي ضرر ينتج عن المسامحة مع الظالمين والفراعنة، ما لم يتجاوزوا الحدود الشرعية الإلهية.
التسامح في السياسة والاقتصاد والثقافة
التسامح هو صفة إنسانية تتفق مع الفطرة، وعلى الرغم من انتشار فهمه كمواصفات اجتماعية ودينية وأخلاقية، فإنه لا يقتصر على التعامل بين الجماعات البشرية فحسب، بل تندرج هذه الصفة في القوانين والسياسات التي تتعامل بها الحكومات والشعوب، وبين الدول وبعضها البعض.
تُطبّق التسامح في أنظمة القروض والإقراض والبيع والشراء والزكاة والصدقة، بشروط وتقنين لحماية حقوق جميع الأطراف، كما يتم تطبيق التسامح في التعامل الحكومي مع المؤسسات والموظفين، وتعامل المعلمين مع التلاميذ، وغير ذلك، وإذا تم تطبيق التسامح والعفو بدون أي ضرر أو إيذاء، فإن لهذا تأثيراً اقتصادياً كبيراً يكفي لتعويض الخسائر المتلاحقة التي تسببها الأنظمة الفاسدة في العالم العربي.
في الأنظمة الفكرية الحديثة، انتشرت فكرة التعصب كشكل من أشكال العنف الفكري، والذي يتمثل في الانحياز المتطرف والعنصرية والتمييز العرقي، وخاصة بما يحدث من حروب ضد أهل السنة في سوريا وإيران، وفي بلاد الكفر والإلحاد في بورما والشيشان وغيرها.
ظهر مصطلح التسامح الفكري كمناهض لتلك التصرفات، حيث يرفض الاضطهاد والحرمان من الرأي والحريات داخل الدولة، ويتساهل مع الأقليات ويحترم اختياراتهم الدينية والاجتماعية وغيرها.
المراجع
