تفسير سورة الناس
تفسير سورة الناس
تعد سورة الناس واحدة من السور القصيرة، وإحدى المعوذتين، وهي السورة المكية الأخيرة في القرآن الكريم، ويتألف عدد آياتها من 6 آيات، وتقع في الترتيب الأخير كما ذكرنا لسور القرآن الكريم، وهي السورة رقم 114 في الجزء الثلاثين، وقد نزلت بعد سورة الفلق، وفيما يلي سنحاول عرض تفسير كل آية على حدة كما وردت في كتب التفسير.
الآية الأولى
يذكر القرطبي في تفسيره أن في قوله- تعالى-: تأتي قوله تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) بمعنى أن الله هو مالك ومصلح أمور الناس، وتم تخصيص الربانية للناس فقط في تلك الآية، وذلك لسببين وهما:.
- بما أن الناس هم الأغلبية في تلك الأرض، فإن الله هو رب هؤلاء العظماء على كل ما لديهم من شأن كبير.
- يعني الاستعاذة من شر الناس أن الله هو المعيذ والمنجي من شر الناس ومن كيد الأعداء.
الآية الثانية
في قوله- تبارك وتعالى-: في تفسير القرطبي، يعني ملك الناس إله كل الناس، حيث إن الناس اعتادوا تعيين ملوك لأنفسهم، ولكن الله- تعالى- هو ملك كل هؤلاء الناس، وبالتالي يعبد بعض الناس غير الله، ولكن الله- تعالى- يذكر خلقه أنه هو إلههم ومعبودهم، وأنه يجب أن يلجأ إليه ويستعيذ به دون الملوك والعظماء.
الآية الثالثة
أما فيما يتعلق بتفسير قوله- تبارك وتعالى-: في تفسيره، يذكر القرطبي أن “إِلَٰهِ النَّاسِ” يأتي ليذكر الناس بأن الله هو ملكهم الأوحد والمعبود الأوحد، وأنه الذي يتم اللجوء إليه دون أي من الملوك والعظماء. وبالرغم من ذلك، لا يزال بعض الناس يشركون بالملك ويكفرون به.
الآية الرابعة
ذكر القرطبي في تفسيره للآية الرابعة من سورة الناس ما يلي: (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ)، وتأتي الآية كاستكمال للاستعاذة بالله من شر الوسواس الخناس، وهو المقصود به شر الشيطان. ويوجد عدة تفاسير لمعنى الوسواس الخناس، وذكر القرطبي بعضها في تفسيره.
- المقصود هنا هو الشيطان نفسه الذي يثير الوساوس، وتعني كلمة الوسوسة في هذا السياق حديث النفس.
- يُقال إن الوسواس الخناس هو ابن إبليس، وهو الذي يتسبب في الوسواس لجميع بني آدم، عندما يبتعدون عن ذكر الله -جل جلاله- ويقع مكان إقامته بالقرب من القلب في الصدر، وقد أشار القرطبي في تفسيره للترمذي إلى هذا الرأي، ولكن القرطبي لا يؤمن به.
- وصفت الخناس بأنها كثيرة الاختفاء، ويتضح ذلك من قول الله في القرآن الكريم: “فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ” (سورة التكوير، الآية 15)، وهذا هو دليل اختفائها بعد ظهورها.
- يشير مصطلح “الخناس” إلى شخص يصمت أو يتأخر عند ذكر اسم الله، حيث يعتقد أن الشيطان يجلس على قلب الإنسان ويوسوس له، وإذا ذكر الله ينحرف الشيطان ويختفي.
- وفقًا للإمام ابن جبير، يعتقد ابن عباس أن الوسواس الخناس له وجهين، إما أن يكون بسبب الشك في الهداية، أو أنه يخرج بسبب الوسوسة من اليقين.
الآية الخامسة
يذكر الله- جل جلاله- في سورة الناس قوله- تعالى-: وقد ذكر القرطبي في تفسير الآية الكريمة قول مقاتل بأن الشيطان يظهر في صورة خنزير ويجري في الدم، وذلك استنادًا إلى قول أم المؤمنين صفية -رضي الله عنها-: “(الشيطان) يجري في ابن آدم كما يجري الدم
- في العشر الأواخر من رمضان، جاءت نها رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره وهو معتكف في المسجد، ثم قامت لتغادر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم معها حتى وصلا إلى باب المسجد المؤدي إلى باب أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فمر بهم رجلان من الأنصار وسلما عليه، ثم رحلا، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: “على رسلكما”، فقالا: “سبحان الله يا رسول الله!” وكبرا على ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وأخاف أن يقذف في قلوبكما شيئا
الآية السادسة
انتهى الربُّ -تبارك وتعالى- سورة الناس والقرآن الكريم كاملاً بالقول: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)، وذكر القرطبي في تفسيره للآية أن الموسوس قد يكون شخصًا من الناس وليس فقط من الشيطان، وعلى هذا كان رأي الحسن -رضي الله عنه- بأن هناك شيطانان، فشيطان الجن يوسوس في صدور الناس، بينما يأتي شيطان الإنس ويوسوس للناس علانية.
- وفقا لرأي القرطبي، يعتقد أن الجماعة من الجن هم الذين يتأولون الآيات الكريمة، وتم تسميتهم بـ “الناس” بنفس الطريقة التي تم تسمية الرجال، ويأتي ذلك في الآية الكريمة التالية: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) (سورة الجن الآية: 6)
- يقال إن إبليس يوسوس في صدور الجن وكذلك يوسوس في صدور الناس، وعلى هذا الأساس يكون يوسوس في صدور الناس في العالمين الإنس والجن على حد سواء.
- يذكر أبو هريرة -رضي الله عنه- قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تكلم به) (صحيح مسلم)، وبالتالي، الله تعالى وحده هو الأعلم بالمقصود من ذلك.
سبب نزول سورة الناس
أفاد المفسرون بأن سورتي المعوذتين نُزلتا بسبب أن لبيد بن الأعصم قد سحر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى الرغم من ورود قصة لبيد في كتب السنة، إلا أنه لم يتم ربطها مباشرة بنزول المعوذتين، وتعددت الأقوال حول سبب نزولهما.
- يقال إن سبب نزول المعوذتين (سورة الفلق وسورة الناس) هو طلب قريش من رجل مشهور بالحسد أن يضرب النبي محمد بالحسد، ولذلك نزلت المعوذتان ليتعوذ بهما من هذا الشر.
فضل قراءة المعوذتين سورة الناس وسورة الفلق
ذكر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العديد من الأحاديث التي توضح فضل المعوذتين، ومن بينها ما يلي.
آيات المعوذتين أفضل الآيات
قراءة المعوذتين هي من الأمور التي أمر بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعض صحابته – رضي الله عنهم – وخصوصًا بعد كل صلاة، وجاء في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنهما من أفضل الآيات، وذلك الذي رواه عقبة بن عامر – رضي الله عنه -: “قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُنْزِلَ، أَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ، المُعَوِّذَتَيْنِ” (صحيح مسلم)
الوقاية من الشرور
قراءة المعوذتين كافية لحماية الشخص من كل شر، ولذلك قام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بنقلهما لبعض الصحابة – رضي الله عنهم – عندما سئل عن الطريقة التي يستخدمونها للحماية. ويأتي ذلك في الحديث الذي رواه عبد الله بن خبيب – رضي الله عنه – الذي قال: “خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة لنلتقي برسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأدركناه وسألناه ماذا نقول لنحمي أنفسنا؟ فقال: “قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ” و “المَعُوذَتَيْنِ”، عندما تصبح وعندما تمسي ثلاث مرات، وهذا يكفيك من كل شيء (حسن صحيح)
الاستشفاء بقراءة المعوذتين
قراءة المعوذتين فيه شفاء لمن يريد أن يستشفي بهما، وذلك للحديث الذي روته لنا أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- عندما قالت: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ، وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عليه، وَأَمْسَحُ عنْه بيَدِهِ، رَجَاءَ بَرَكَتِهَا. وفي روايةٍ : أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اشْتَكَى نَفَثَ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ عنْه بيَدِهِ) (صحيح مسلم)