احسان سيدنا يوسف بين الناس وثقتهم
قصة احسان سيدنا يوسف بين الناس وثقتهم ، حين أتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر…كما ورد في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ كان مما سأله عنه مفهوم الإحسان فقال له البي صلى الله عليه وسلم: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، والإحسان من أعلى المراتب الروحية إن لم تكن أعلاها في دين الإسلام، ولذلك أحببنا أن نتكلم عن معنى الإحسان من منظور قصة يوسف عليه السلام التي حتى عندما وصفها الله تعالى قال عنها: (أحسن القصص){3-يوسف} ، جعلنا الله من المحسنين (الموسوعة).
الإحسان في اللغة
- هو ضد الظلم ويفعل ما هو جميل وحسن، وأحسن الشيء هو أنه صانعه ومتقنه، كما قال تعالى: (الذي أحسن كل شيء خلقه){7-السجدة}، وأحسن معاملته هو فعل ما هو جميل له.
- فهو في اللغة: تقديم الخير للغير، أو إتقان الشيء.
آيات الإحسان في سورة يوسف
- وعندما بلغ أشده، أعطيناه الحكمة والمعرفة، ونجزي المحسنين بذلك. {سورة يوسف: 22}.
- (….نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين){36-يوسف}.
- (…حظ مشيئتنا مما نريد ولا نضيع أجر المحسنين){56-يوسف}.
- فليأخذ أحدنا مكانه ، إننا نراك من المحسنين. (يوسف ٧٨).
- إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين {٩٠-يوسف}.
مظاهر إحسان يوسف عليه السلام
إنه ليندر أن تجد مظاهر كثيرة للإحسان في إنسان واحد فهو قد يحسن في ناحية ويتراجع في ناحية أخرى، ولذلك قص الله تعالى علينا قصة سيدنا يوسف أحسن القصص لتكون أروع مثال للإحسان ونتخذ منها قدوةً لنا في حياتنا ومن مظاهر الإحسان في قصة سيدنا يوسف:
احسان سيدنا يوسف بين الناس وثقتهم في موقف الرؤيا
- سيدنا يوسف عليه السلام كان متقنًا في عرض الرؤيا وقصتها، وكان متقنًا في اختيار من يعرضها عليه، فعرضها على والده الذي كان نبيًا وحكيمًا، فكان أهلاً ليعرضها عليه. بما أن والده هو أيضًا والده، فجمعت فيه الصفات التي تجعل تفسيره وتأويله ونصيحته خالصةً.
- إذا عرض الحلم على الأب وكان فيه بر وإحسان للوالدين وتقديمهما في شؤون الحياة.
- وفيما يتعلق بالأدب، نسب يعقوب عليه السلام سوء النفس إلى الشيطان كتأكيد على الفطرة القوية للإنسان التي خلقها الله في قوله: “إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ” في سورة يوسف، حتى لا ينزلق الكراهية في قلب يوسف عليه السلام لأخوته.
- ويتضمن هذا القصة أيضًا فضيلة كتمان يوسف عليه السلام لسره عندما طلب منه أبوه ذلك، فإن كتمان السر أمرٌ لا يستطيع القيام به الجميع، خاصةً إذا كان السر كبيرًا.
إحسان يوسف عليه السلام في الصبر على الرق
بعد أن ألقي في الجب وتعرض لكيد إخوته وحسدهم، صبر السلام عليه على قضاء الله وقدره ولم يشتك من ما حدث له، فهذا من علامات الإيمان بالقدر والإيمان بخيره وشره.
إحسان يوسف عليه السلام في الفتنة
- عندما أغوت المرأة العزيز يوسف عليه السلام، استمر في العمل الصالح وحفظ دينه واستمر في الإحسان إلى نفسه وإلى العزيز الذي رباه. فقد كانت فتنة عظيمة تجمع بين الخوف والطمع بشأن نبي الله، إذ كان الخوف يتمثل في سلطة المرأة العزيز وتهديدها له بالسجن، والطمع يتمثل في جمالها الشديد واستعانتها بالنساء ضده. ومع ذلك، استمر يوسف عليه السلام في الصبر على تلك الفتنة، مما جعله مثالًا للإحسان الذي يقتدى به.
- كذلك فعل النبي عندما قابل سيده عند الباب، فعندما وُجِّهت إليه امرأة العزيز التهمة أحسن في الرد عن نفسه ولم يظلمها ولم يتجاوز أدبه مع العزيز الذي أكرمه ورباه، فقال: “هي راودتني عن نفسي”، وهذا نوع صعب من الإحسان، فعندما يتعرض الناس للإساءة من شخص ما، يصعب عليهم ألا يردوا الإساءة بالإساءة.
- إحسان يوسف عليه السلام يعد مثالا يحتذى في الصبر على القتنة، والاستعانة بالله تعالى في ردها. فإذا كنت تريد شيئا، فاستعن بالله وتوكل عليه، فلن تحتاج إلى أحد غيره. وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: “وإذا استعنت فاستعن بالله.
- وفيه يظهر إحسان النبي يوسف عليه السلام في تفضيل ما يضره على ما ينفعه إذا كان ذلك في سبيل إرضاء الله تعالى، حيث قال: `رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه، وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين`.
إحسان يوسف عليه السلام في السجن
- قد أظهر يوسف، عليه السلام، حسن معاملة من كانوا معه في السجن، حيث كان يحسن التعامل معهم في السراء والضراء، وهذا الأمر نادرًا ما يوجد في البشر، لذلك قال له حارس السجن: إننا نرى أنك من المحسنين.
- لقد أكرم الله عليه بالعلم فلم يقع في فتنة العلم، والعلم بالفعل قد يكون فتنة مثل الجهل، إذ يمكن لطالب العلم أن يقع في فتنة الشهرة أو الثقافة أو الربح المادي. ومع ذلك، لم يكن العلم الذي كان يمتلكه يوسف عليه السلام فتنة، بل كان سبيلاً للخير. قبل أن يفسر رؤيا الرجلين، دعاهما إلى العبادة الخالصة لله والابتعاد عن الشرك، حيث قال: “يا صاحبي السجن، هل يأتينا من أحد مطعمًا فقد رأيتكما من الذين يضلون”، واستمر في دعوتهما لله قبل أن يفسر رؤيتهما ويحقق لهما ما طلبا.
- في قصة يوسف، قام يوسف بتفسير رؤية لأحد رفاقه في السجن ولم يحدد منهج الرؤية بشكل صريح لمنع الصدمة النفسية لرفيقه، فقال له: (يا صاحبي السجن، أما أحدكما فيسقي ربه خمرًا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطيور من رأسه. هذا هو الأمر الذي تستفتيان).
إحسان يوسف عليه في تأويل رؤيا الملك
- عندما جاء الساقي الذي دل على يوسف عليه السلام الرؤيا وطلب منه أن يذكر أمره للملك ولكن نسي، جاء طالب آخر يطلب منه تفسير رؤية الملك التي لم يستطع تفسيرها، ولم يلمح يوسف عليه السلام لنسيانه بل صفح عنه وأخبره تفسير الرؤية.
- لم يشترط عليهم أن يخرجوا أولاً ثم يجبروا على تفسير الرؤية، بل عرض عليهم التفسير الأفضل والأدق للرؤية، وعندما نالت رضا الملك، أمر بإخراجه، وهذا كان إحسانًا منه عليه السلام.
- لم يخرج يوسف فور أمر الملك بإخراجه، بل طلب أولًا إعلان براءته لتبرئة سمعته – وهو نبي – فيدعو إلى الله تعالى فيقبل دعوته الناس، كذلك لم يفضح النساء اللواتي قطعن أيديهن، بل قال: “ما بال النساء اللواتي قطعن أيديهن”، ولم يفضح سر امرأة العزيز أمام الملك أيضًا.
إحسان يوسف عليه السلام في ملكه
- عندما طلب يوسف عليه السلام الولاية قائلاً “اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم”، لم يكن يطلبها من الملك، ولكن كان يطلب النصح، وهذا واجب على العالم عندما يشعر بأنه الأكثر كفاءة للقيام بمهمة ما، أن يتقدم في طلبها لتنفيذها بأفضل شكل، ويجب عليه أن يكون صادقًا في نيته لله.
- وبهذا، كانت ولاية يوسف عليه السلام رحمةً وإحسانًا وسلامةً من الفتن، لأن نيته كانت صادقة تجاه الله تعالى. وفي ذلك الوقت الذي كانت المجاعة تجتاح العالم، كانت مصر تحت إدارته المالية قبلة المحتاجين الذين يأتون إليه راغبين فيما رأوا من عدله وتقواه وحسن إدارته.
إحسان يوسف عليه السلام مع إخوته
- عندما جاءوا إليه، لم يشعر بالكراهية تجاههم، ولم يسعَ إلى الانتقام منهم، على الرغم مما فعلوه به عندما كان صغيراً، وعندما ابتعدوا عنه وأبويه وأهله. وبدلاً من ذلك، كان محسناً في هذا الموقف الذي يمكن أن يواجهه الكثيرون بعد تعرضهم للظلم، إذ استضافهم وكان مضيافًا لهم.
- كما يعد السكوت والتحكم في الغضب من أخلاق الذين اصطفاهم الله تعالى من عباده وأحسن النبي يوسف عليه السلام بالتحكم في نفسه وعدم الكشف عن اتهاماته الزائفة بالسرقة وكظم غيظه في نفسه، وهذا يعد مثالًا على الأخلاق الحميدة والمثلى التي يجب أن يتبعها المسلمون.
- أحسن يوسف عليه السلام إلى أخيه الشقيق حين أوشك على أن يُصاب بالحزن، ورتب الأمور لكي يكون بجواره، قائلاً: `إني أخوك فلا تحزن على ما فعلوا` (سورة يوسف، الآية 69)، ووضع الكأس في حقيبته.
- كذلك أحسن لإخوته حين نسب ما فعلوه إلى الشيطان فقال: نزل الشيطان بيني وبين إخوتي بعد ذلك في سورة يوسف.
- عندما تفضل إحسان يوسف عليه السلام عن إخوته بأرق صفح وأجمل عفو، وقال: (قالوا يا أيها العزيز، مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة، فأوف لنا الكيل وتصدق علينا، إن الله يجزي المتصدقين. قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه، إذ أنتم جاهلون. قالوا أئنك لأنت يوسف؟ قال أنا يوسف وهذا أخي، قد من الله علينا، إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين. قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين. قال لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين){92:88-يوسف}، وفي هذا الموقف الجليل تتبين لنا عدة أوجه من الإحسان:
أولًا: شفقة النبي يوسف عليه السلام على إخوته بعد شكواهم من الضر.
ثانيًا: عندما ذكرهم يوسف عليه السلام، طلب من الله أن يعفو عنهم لما فعلوه به في قوله: (إذ أنتم جاهلون).
ثالثًا: تجلى إحسان إخوة يوسف في اعتذارهم عن خطأهم، حيث اعترفوا بفضل يوسف عليهم وأرجعوه إلى الله تعالى، واعترفوا بخطئهم كخطوة أولى نحو التوبة الصادقة.
رابعًا: عندما صفح النبي إحسان يوسف عليه السلام عن أصحابه، لم يقل “سامحتكم”، بل قال “لا تثريب عليكم اليوم”، وهذا يعني أنه لم يلومهم على ما فعلوه، بل عفا عن ذنبهم ولومهم، وزاد في إحسانه بالدعاء لهم بالمغفرة والرحمة، مما يوضح أنه ينبغي للإنسان أن يطلب مغفرة الله ورحمته.
خامسًا: قام النبي إبراهيم عليه السلام بإحسان لأهله، عندما أرسل القميص إلى أبيه يعقوب، فعاد بصره بإذن الله، ودعا أهله إلى مصر ليتمكن من إحسان إليهم من فضل الله تعالى عليه.
إحسان يوسف عليه السلام مع الله
- تبدأ قصة الإحسان من البداية، حيث يستعين بالله في الفتنة ويتصرف بإحسان في السجن ويعامل عائلته وإخوته والناس بإحسان، وكل ذلك يعتبر إحسانًا عند الله تعالى، لأن من يحسن إلى الله يحسن إلى خلقه.
- ومن إحسانات الله تعالى على الإنسان، اعترافه بنعمة الملك والعلم والتأويل، واعترافه بولاية الله تعالى في الدنيا والآخرة، ودعائه عليه السلام بالتثبيت ساعة الموت وأن يلحقه بالصالحين. فخو من توضعه عليه السلام لم يطلب بأن يكون من الصالحين ولكن طلب من الله تعالى أن يلحقه بالصالحين فقط، وذلك بعد أن أعطاه الملك وعلم التأويل. وقال: “رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث، فاطر السماوات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة، توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين” من سورة يوسف في القرآن الكريم.
- يتذكر إحسان الله تعالى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حين تحققت الرؤيا، وينسب كل الفضل إلى الله تعالى.
ثمرة إحسان يوسف عليه السلام
حسن عاقبته في الدنيا
- إيتاء العلم في جوانب متعددة.
- تحقق العون له بسبب صدقه وإخلاصه.
- عصمة الله له من الفتن.
- تعتبر تمكين الله تعالى له في الأرض تعويضًا له.
- حقق الله له رؤياه الصالحة.
حسن عاقبته في الآخرة
توضح قصة نبي الله يوسف عليه السلام أن الله تعالى كافأه في الدنيا وذكر أن مكافأته في الآخرة أكبر وأفضل. وقد ربط الله تعالى تمكين يوسف في الدنيا بمكافأته في الآخرة، وجعل هذه المكافأة عامة لكل من يؤمن ويتقي ويتصرف بحسنية مثل يوسف عليه السلام.
هذه بعض معالم قصة يوسف عليه السلام التي تناولنا فيها مفهوم الإحسان في جوانبها المختلفة، وقد وصفها الله تعالى بأنها أحسن القصص. وتحتوي القصة على درس عن الصبر في الظروف الصعبة. كما هو معروف، نزلت هذه القصة تسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عام الحزن، وأصبحت تسرية للجميع، تستحق أن تكون درسا لكل من يشعر بالهموم والأحزان. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده المحسنين المتقين والمخلصين. اللهم آمين. (الموسوعة).
المصادر:
يتحدث الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الحكمة آل حسين (بتصرف) عن وجوه الإحسان للنبي يوسف عليه الصلاة والسلام في سورة يوسف.
2- من محاضرة بعنوان الإحسان من خلال سورة يوسف للشيخ الدكتور محمد بن إبراهيم الحمد (بتصرف)
