لا يَكُن ظَنُّكَ إِلّا سَيِّئاً
لا تحمل فكرة سيئة عن الآخرين، لأن سوء الظن هو من أكثر الأمور الحساسة والخطيرة. هذا البيت الشعري يعزى إلى الإمام الشافعي من قبل البعض، ولكن آخرين يرون أنه لا يمكن أن يكون له صلة بالشافعي لأنه يتعارض مع قول الله تعالى في القرآن الكريم وخاصة في سورة الحجرات، “يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن، فإن بعض الظن إثم.” وبالتالي فإن عقل الشافعي وتزامنه مع مبادئ الدين الإسلامي لا يمكن أن يسمح له بإيجاد هذه الأبيات. ولكن المسألة هنا ليست في هذا البيت الشعري بقدر ما هي في السؤال عما إذا كان سوء الظن يحمي الشخص وإذا كان النية الحسنة تؤدي إلى الخراب، وسنتعرف على الإجابة عن هذا السؤال في هذه المقالة على موسوعة، فتابعونا.
لا يَكُن ظَنُّكَ إِلّا سَيِّئاً
- ينصح البعض بضرورة توقع الأسوأ من الآخرين، وذلك بسبب عدم الثقة في نواياهم، إذ أن البشر يميلون إلى الحسد والحقد تجاه غيرهم، وهذا يتنافى مع قول المولى سبحانه في الآية الرابعة والخمسين من سورة النساء “أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا.
- لا تتعجب يا صديقي من هذا، فقد أصبح أمرًا طبيعيًا بالنسبة لهم، حيث يشعرون بالألم والحرقة عند رؤية نجاحك وتوفيقك من الله، ويجعلونهم لا يرون نعم الله عليهم، فينظرون إلى ما لديك ويتمنون الحصول عليه، على الرغم من أن الله تعالى منعنا من الحسد والتمني بما فضل به بعضنا على بعض.
- لكن كيف يمكن للنفس أن تقتنع بما لديها وتقبل حالتها وأن لا تنظر إلى نعم الله التي أنعم بها عليها، بل تتميز بالأنانية والحقد! أترى أن هذا أمر طبيعي؟.
- من الطبيعي أن تشعر تلك النفوس التي لا تتمتع بالإيمان القوي الذي يساعدها على التقبل والرضا عندما تحصل على نعم الله، ويبدو لها كأمور عادية، رغم أنها تمتلك الصحة والوقت والحركة والأصدقاء والأهل، ومع ذلك لا تشعر بأي شيء مميز.
لا تألفوا النعم فإنها لا تدوم
- هذه العبارة صحيحة تمامًا، فقد نعتاد على نعم الله ونستخدمها بشكل عادي دون أن نحسب لها قيمتها الحقيقية، ولا يدرك قيمتها إلا من فقدها.
- فما فائدة المال لرجل حرم من نعمة الإنجاب، هل يمكنه أن يحصل على جنين من صلبه حتى وإن دفع كنوز الدنيا، وهو بلا إرادة من الله! هل يمكن لشخص فقد القدرة على الحركة أن يذهب يوميًا إلى عمله ويحصل على ما يشغله وينال احترام موظفيه؟.
- إذا نظرت حولك، ستجد أنك تعيش في نعمة تألفها، فالعمل الذي يتمناه العاجز هو نفس العمل الذي تقوم به يوميًا، وتتمنى أن تمتلك المال دون الحاجة لبذل مجهود شاق. والأطفال الذين يسببون لك الصداع وتتمنى أن يهدأوا قليلاً لتحصل على المزيد من الراحة، هم الذين يتمناهم الآخرون ويضحون براحتهم من أجلهم.
- الشيطان هو الذي يجعلك ترى نعم الله على غيرك بشكل سيء، ويحاول أن يصور لك حالك بأنها أقل من المعتاد، في سعيه للحيلولة دون ذكر الله وشكره، ويجعلك تندمج في دوامة حيث تسعى لتحقيق ما يملكه الآخرون دون أن تستمتع بما لديك من الأساس.
سوء الظن من أقوى الفطن
- هذا الاعتقاد خالٍ تمامًا من الصحة، حيث يعتبر الاشتباه في نوايا الآخرين والتفكير السيء فيهم بشأن كل ما يقومون به أو يقولونه انعكاسًا لنواياهم السيئة، وهذا خطأ تمامًا.
- في معظم الأحيان، الأشخاص الذين يمتلكون هذا النوع من التفكير هم الذين يقومون بمثل هذه التصرفات، وبالتالي يشكون في الآخرين ولا يستطيعون الوثوق بهم.
إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
- لا يمكن اعتبار البيت الشعري “ما رمى الإنسان في مخمصة … غير حسن الظن والقول الحسن” صحيحًا في التعامل الواقعي، حيث يتعارض مع قول الله عز وجل الذي يعلم نوايا البشر، فهو الذي خلقهم وسواهم، ويعلم ما يدور في الأنفس، لذلك من المستحيل أن يأمرنا الله بشيء يؤدي إلى هلاكنا.
- لا ينصح بالتعامل بطيبة نية مع الجميع، بل يجب أن تكون حذرًا، ولكن لا ينبغي أن يصل هذا الحذر إلى الشك في الآخرين والتفكير السيء، لأن هذا سيؤدي بك إلى بئر عميق من الشك، وستصعب بعدها العودة إلى التفكير الإيجابي والتعامل بطيبة مع الآخرين.
في النهاية، ينبغي أن تتعامل مع الآخرين بسلام نية وتحسن الظن بهم، فالظن السيء لا يضر إلا من يحمله، وحتى إذا خيبوا ظنك، فسيكون لك أجرٌ عند الله، ولكن عليك أن تتعلم من دروسك السابقة، فالمؤمن لا يُلَدْغُ مرتينٍ من جحرٍ واحدٍ