الدين و الروحانياتالناس و المجتمع

بحث عن سيدنا موسى عليه السلام

maxresdefault 86 e1568903898734 | موسوعة الشرق الأوسط

تقدم لكم هذه المقالة بحثًا شاملًا عن سيدنا موسى عليه السلام، حيث تم جمع معلومات شاملة عن حياته منذ ولادته وحتى وفاته، وتم ذكر بعض القصص الشيقة التي حدثت في حياته، والتي يمكن الإطلاع عليها في مقالات منفصلة.

كانت البداية عندما استقدم سيدنا يوسف أباه يعقوب عليهما السلام وغوته ليعيشوا في مصر، ودارت الأيام وتعاقبت السنوات، وتكاثر نسل يعقوب أو إسرائيل عليه السلام وأصبحوا شعبًا كبيرًا، فخشي فرعون مصر أن يصبحوا فيما بعد خطرًا على ملكه ودولته، لمزيد من التفاصيل تابعونا على موسوعة في بحث عن سيدنا موسى عليه السلام.

نسب سيدنا موسى عليه السلام

هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام، ويعني اسم موسى في اللغة السامية: الذي يسحب من الماء، والمخلص من الماء، ويشير ذلك إلى قصته عليه السلام في الخلاص من الماء، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا.

رؤيا فرعون زوال ملكه

كان بنو إسرائيل يتداولون بينهم الأخبار التي وردت عن إبراهيم عليه السلام، بأنه سينجب غلامًا سيقضي على ملك مصر، ووصلت تلك الأخبار إلى أهل مصر القبطية، وانتشرت حتى وصلت إلى فرعون.

شعر فرعون بالخطر الذي يهدد مملكته، وأراد طرد بني إسرائيل من مصر، ولكنه أدرك أنهم قد يتحالفون ضده ومع غيرهم من الأشخاص، ولذلك فكر في استغلالهم في العمل الشاق وذبح الذكور حديثي الولادة.

تقلصت أعداد بني إسرائيل بشكل كبير، ولجأ القبط إلى فرعون ليشكوا من ذلك، فقرر فرعون قتل الأولاد لمدة عام وترك البنات لمدة عام، فولد هارون عليه السلام في عام العفو وولد موسى عليه السلام في عام القتل.

موسى عليه السلام في خطر

عندما حملت أم موسى عليه السلام، علمت أنها ستضعه في وقت القتل، لذلك احترست لنفسها أن يظهر عليها أي شيء. وعندما وضعت موسى عليه السلام، خافت كثيرًا، لكن الله تعالى ألهمها فكرة صنع تابوت. فقامت بربط موسى عليه السلام بحبل ووضعته في التابوت داخل بيتها، ومن ثم وضعت التابوت في نهر النيل الذي يمر بجوار بيتها. وكانت ترضع موسى عندما كان في التابوت، وإذا خشيت من أحد وضعته في التابوت في النهر، وربطت الحبل عندها حتى لا يراه أحد. وعندما يذهب الناس، تستطيع أن تسترجعه.

أم موسى عليه السلام تلقيه في اليم

ظلت أم موسى عليها السلام قلقة ومضطربة بشدة بشأن طفلها الرضيع، فأوحى الله لها أن تلقيه في البحر إذا خافت عليه، ليولد الأمان من وسط الخوف، وبشرها بأنه سيرجع إليها، وسيكون نبيا لبني إسرائيل، وقد قال تعالى: “وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا سنرده إليك ونجعله من المرسلين” (سورة القصص – الآية 7).

 في قصر فرعون

يقول تعالى: وفي هذه الآية من سورة القصص الكريمة: “فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًا وحزنًا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين”، يظهر قدرة الله العظيمة، ففي حين كان فرعون يبحث عن مولود يدمر مملكته، كان هذا المولود يحتمي تحت قدميه دون أن يشعر به، وذلك كان بناءً على رغبة آسية، زوجة فرعون، وقد قال الله تعالى: “وألقيت عليك محبةً مني ولتصنع على عيني” في سورة طه.

رجوع موسى عليه السلام إلى أمه

يقول تعالى: وقالت الأم لأختها: “احكي لنا عن قصة ولديك”. فبصرت الأخت بالطفل وهو نائم بجانبهما دون أن يشعرا، وكان قد حرم من الرضاعة من قبل. فقالت الأخت: “هل يمكنني أن أدلكم على أسرة ترعى الطفل ويكونوا له ناصحين؟”. فرددوا الطفل إلى أمه لتسعدها وتعلم أن وعد الله حق، ولكن معظم الناس لا يعلمون ذلك.” (القصص – 11:13).

تحدثت أخت موسى عليه السلام لإخبار الأم الخائفة بأن امرأة فرعون عثرت على طفلها، وأرادت الأميرة أن يرضع من مرضعات القصر، لكنها لم تجد مرضعة ترضعه، وحاولت الأخت أن تطمأن قلب أمها وعرفتها على أنها مرضعة ليعود موسى إلى أمه ويسعدها.

نشأة موسى عليه السلام

وبهذا نعرف أن موسى -عليه السلام- نشأ في بيت فرعون وأصبح جزءًا من عائلته، ولم يذكر لنا شيء عن تلك السنوات التي قبل مبعثه -عليه السلام-.

أحداث قبل البعثة

شرف الله تعالى موسى عليه السلام برسالته، وذلك في سن الأربعين حسب الأقوال الأكثر ترجيحًا. كرم الله موسى عليه السلام بأشياء كثيرة، فكرم وجهه بأنه لم يسجد لأي إله من آلهة القصور، ومنحه القوة والجسم السليم، وجعل حبه في قلوب الناس.

حادثة الرجل القبطي

دخل موسى – عليه السلام – السوق في المدينة بغفلة من أهلها، وذلك في وقت القيلولة، والناس نائمون، فرأى رجلين يتصارعان، أحدهما من بني إسرائيل والآخر من قوم فرعون، فاستغاث الرجل من بني إسرائيل بموسى – عليه السلام -، فضرب المصري بضربة، فمات المصري بقوة موسى – عليه السلام – الذي لم يكن يقصد قتله، ويقول الله تعالى: “ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين” (سورة القصص – 15).

بعد الحادثة، شعر موسى عليه السلام بالخوف، لأن فرعون كان يسيطر عليه بقسوة. وأثناء سيره في شوارع المدينة، رأى نفس الرجل الذي ساعده في اليوم السابق من قومه، وكان مشتبكا مع قبطي آخر. فذكر موسى عليه السلام الرجل بما حدث في اليوم السابق، وعندما قرر مساعدته، قال الرجل الإسرائيلي بخوف بعد أن علم أن موسى عليه السلام سيقتله: “يا موسى، أتريد أن تقتلني مثلما قتلت نفسا في اليوم السابق؟ إنك تريد أن تكون جبارا في الأرض، ولا تريد أن تكون من المصلحين” (القصص – 19)”. عندما سمع القبطي هذا، هرب بسرعة إلى قصر فرعون وأخبره بالأحداث، فغضب فرعون وأراد قتل موسى، وأرسل شخصا ليحضره إليه).

خروج موسى عليه السلام إلى مدين

أحاطت العناية الربانية بموسى عليه السلام، فأرسل الله رجلاً إليه يخبره بما يعتزم فرعون فعله، ونصحه بالخروج من مصر، فتوجه موسى عليه السلام إلى مدين، وكان بين مصر ومدين مسافة تقطعها في ثمانية أيام.

يقول تعالى: وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى، وقال: يا موسى، إن الملأ يتآمرون عليك ليقتلوك، فاخرج، إني لك من الناصحين. فخرج خائفا، يترقب، وقال: رب نجني من القوم الظالمين. وعندما توجه نحو مدين، قال: عسى ربي أن يهديني إلى الطريق الصحيح” (القصص – 20:22).

موسى عليه السلام والفتاتين

ذهب موسى عليه السلام إلى بشر مدين ليطلب مأوى ليلة، وعثر على امرأتين ضعيفتين لا تحبان مخالطة الرجال، يمنعان غنمهما من السقيا حتى لا تختلط بغنم القوم الآخرين الذين يسقون أنعامهم ومواشيهم.

نسي موسى عليه السلام جوعه وعطشه، فتوجه إلى الفتاتين ليساعدهما، وقد وجد في مدينة ماء وأمة من الناس يسقون، ووجد امرأتين تحاولان منع الآخرين من الشرب حتى يرعى أبوهما، فقال: ما بالكما؟ فأجابتا: لا نسقي حتى يرعى الرعاء، وأبونا شيخ كبير، فسقى الماء لهما، ثم تولى إلى الظل وقال: ربي إني لما أنزلت إلي من خير فقير.

 بعد أن ساعدتهما، توجه إلى ربه بالدعاء، وفجأة جاء النجاة: “إحداهما تأتي تسير بخجل، وتقول: إن أبي يدعوك ليكافئك بأجر ما سقيت لنا، فلما جاءه وأخبره بالقصة، قال: لا تخف، نجوت من الظالمين”))).

زواج موسى عليه السلام واستقراره في مدين

أراد الشيخ الكبير أن يستأجر موسى عليه السلام ويزوجه إحدى ابنتيه لما رأى من صدقه وأمانته، فقال: “أريد أن أنكح إحدى ابنتي هاتين، ولكن بشرط أن تأجرني ثماني حجج، وإذا أتممت عشرا، فسيكون ما يزيد عن ذلك من عندك، ولا أريد أن أشق عليك، وإن شاء الله ستجدني من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك، فمهما يكن المدة التي نتفق عليها، فلا يجوز الخداع، والله شاهد على ما نقول وما نفعل” (القصص – 27).

وبهذا تزوج ابنة الشيخ الصالح وبقي في المدينة لمدة عشر سنوات، وفي يوم من الأيام شعر موسى عليه السلام بالحنين إلى مصر وأمه وأخيه وشعبه، فخرج مع زوجته وأطفاله واستعد للسفر إلى مصر، وخرج في الطريق.

بعثة موسى عليه السلام

وأثناء سفرهم، رأى موسى عليه السلام نارًا بعيدة جانب جبل الطور، فأمر أهله بالانتظار حتى يعرف الخبر أو يجلب قطعة من النار ليستدفئوا بها.

كليم الله

بمجرد أن اقترب موسى عليه السلام من النار، تم استدعاءه من قبل رب العزة، الذي قال: `من في النار ومن حولها مبارك، وسبحان الله رب العالمين` (النمل – 8).

أفزع موسى عليه السلام خائفا، ولكنه سرعان ما استقر واقترب مرة أخرى من النار، وإذا الله عز وجل ينادي: “يا موسى، إني أنا ربك، فاخلع نعليك، إنك في الوادي المقدس طوى، وأنا اخترتك، فاستمع لما يوحى إليك، إنني أنا الله، لا إله إلا أنا، فاعبدني وأقم الصلاة لذكري، إن الساعة آتية، أكاد أخفيها لتجازى كل نفس بما تسعى، فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها ويتبع هواه، فتردى”(طه 11:17).

استمع موسى عليه السلام بدهشة إلى النداء الرباني، وأدرك أنه ينتظر منه أمرا ثقيلا، فرد الله تعالى عليه قائلا ومواسيا: `ما هذا في يدك يا موسى؟`، فقال: `هذه عصاي التي أتوكأ عليها وأهتز بها على غنمي، ولدي بها أغراض أخرى`. فقال الله تعالى له: `ألقها يا موسى`. فألقاها، فإذا هي حية تزحف. فقال الله: `خذها ولا تخف، سنردها إلى حالتها الأولى، وضم يدك إلى جناحك، فستخرج بيضاء دون أي مشكلة، وذلك كآية عظيمة من آياتنا` (سورة طه الآية 23-17).

إرسال موسى عليه السلام إلى فرعون

بعدما رآه الله تعالى موسى عليه السلام يعرض عليه معجزاته ودلائل ربوبيته، أمره بالذهاب إلى فرعون ونقل الرسالة له مع أخيه هارون، بعد أن طلب موسى عليه السلام من ربه أن يرافقه ليكون له مساعدا، كما قال تعالى: “انطلقا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولا لينا ربما تذكر أو تخشى” (طه – 43، 44).

أرسل الله تعالى هارون ليكون مع موسى ومساعده في دعوتهم للدين، ووعده بالنصر والمعجزات، وأمره بالثبات والرفق في الدعوة.

لقاء فرعون

وصل موسى عليه السلام إلى بيته القديم: دخل الرسول المكرم موسى عليه السلام على فرعون وقال له: إني رسول من رب العالمين، وأنا مطالب بالقول الحق، فأعطني دليلًا من ربك، وأرسل معي بني إسرائيل 

فرعون أراد أن يسخر من موسى ويمن عليه ويذكره بجريمته المشهودة في حادثة قتل القبطي، فقال: “ألم نربك فينا ولدا ولبثت فينا من عمرك سنوات. وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين” (الشعراء – 18، 19).

ومع ذلك، كان موسى عليه السلام ثابتا في حجته وواضحا في بياناته عن نعمة الله، وقال: “لقد فعلت ذلك وأنا كنت من الضالين، وهربت منكم عندما خفت منكم، فمنحني ربي الحكمة وجعلني من المرسلين، وهذه هي النعمة التي أحببت أن أعبد بها بني إسرائيل” (سورة الشعراء – الآية 20:23).

اندفعت بالعصبية لصالح قومي بعد أن قتلت الرجل دون قصد، ولم أدرك حقيقة أن استعبادك لبني إسرائيل كان السبب في ذلك؟ 

فرعون يجادل موسى عليه السلام

عندما حاول فرعون الرد على موسى عليه السلام بسؤال: `فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ`، أجاب موسى عليه السلام: `رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ` (سورة طه – الآية 49، 50) 

فهو الخالق والرازق الذي كتب كل ما كان وما هو وما سيكون في اللوح المحفوظ.

قال الله تعالى: `فما بال القرون الأولى` (طه – 51)، وقال موسى عليه السلام: `علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى، الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا، وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى، كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى` (طه – 52:54).

على الرغم من كل تلك الآيات، إلا أن فرعون لم يستفد منها، وقد قدم موسى عليه السلام المعجزات التي بعثه الله بها، مثل أنه ألقى عصاه فتحولت إلى ثعبان ونزع يده فتحولت إلى بيضاء للناظرين، ومع ذلك، اتهمه فرعون بالسحر ولم يؤمن بآيات الله، وكان من الكافرين 

موسى عليه السلام والسحرة

في ذلك الوقت، أخذ فرعون في استدعاء أفضل السحرة من كل مكان لكي يخوضوا موسى ويظهروا كذبه في دعوته، ووعدهم موسى عليه السلام في يوم احتفالهم: “سألتم يوم الزينة ويوم يحشر الناس فيه،” فتوجه فرعون وجمع مكائده ثم جاء” (سورة طه – 59، 60)، وحضر فرعون وأمراءه وأهل دولته وأهل البلد مبكرا، فتقدم موسى عليه السلام إلى السحرة: “وقال موسى لهم ويلكم، لا تفتروا كذبا على الله فيكشف عنكم العذاب، ولقد هلك الذين افتروا” (سورة طه – 61).

ثم أثبت الله تعالى موسى عليه السلام حتى لا يخاف من الموقف الذي هو فيه وأطمأنه: “قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى. وألق ما في يمينك، ستلقف ما صنعوا، إنما صنعوا كيد ساحر ولا ينجح الساحر حيث يأتي” (طه – 68، 69).

إيمان السحرة

بعدما ألقى السحرة عصيهم وحبالهم، أدّعوا أنها تسعى إلى هزيمتهم بسحرها، فألقى موسى عصاه فتحولت بقدرة الله إلى ثعبان واضح وأخذت تلتهم ما صنعه السحرة من خداع.

عندما رأى السحرة ذلك أدركوا أن هذا لا يمكن أن يكون من عمل السحر في شيء، بل يجب أن يكون هناك سبب أكبر من ذلك بكثير، لذلك فإن موسى قد صدق في أنه رسول من رب العالمين، وعند ذلك سجدوا لله جميعا، وقالوا: “آمنا برب هارون وموسى” (سورة طه – ٧٠).

بعد ذلك، فقد بريق فرعون وأراد السحرة أن يخططوا لهجوم، ولكن فرعون كان ماكرا، فقام بإيهام الناس بأن السحرة وموسى اتفقوا على هذا الأمر، حتى لا يصدقوا ويعتبروا أنفسهم مخدوعين. فقال: “هل آمنتم به قبل أن أأذن لكم؟ إنه كبيركم الذي علمكم السحر، وسأقطع أيديكم وأرجلكم من جهة معاكسة، وسأصلبكم على أشجار النخيل وسأجعلكم تعرفون أين العذاب الأشد والأبدي” (سورة طه – 71).

ومع ذلك لم يتزحزح السحرة عن إيمانهم، فقالوا: يتم استشهادهم بعدما قالوا “إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه السحر والله خير وأبقى” من سورة طه الآية 73.

عناد فرعون

بعد أن تحير فرعون من معجزات موسى، أراد الاحتفاظ بحكمه، وقاومه موسى عليه السلام. فأنزل العذاب على بني إسرائيل، وأمرهم موسى عليه السلام بالصبر قائلا: “استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين” (الأعراف – 128).

 بعد ذلك، جاءت فكرة أخرى لفرعون، وهي قتل موسى، وأصبح فرعون يتحدث كواعظٍ: “وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه، إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد” (سورة غافر – 26)، ولكن الله أعاق فعل فرعون وظهر صوت الحق من قلب الضلال.

مؤمن آل فرعون

فيما هم يتفكرون في كيفية قتل موسى عليه السلام ، ظهر رجل من آل فرعون أضاء الله بصيرته ، فدافع عن موسى بأشد الدفاع ، وكان هذا الرجل هو ابن عم فرعون ، وكان يخفي إيمانه من قومه خوفا على نفسه ، فقال : “أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ، وإن كان كاذبا فعليه كذبه ، وإن كان صادقا يصيبكم بعض ما يعدكم ، إن الله لا يهدي من هو مسرف كاذب” (سورة غافر – 28).

ومع ذلك يأتي رد فرعون على نصيحة ابن عمه: وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: “ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد” (سورة غافر – الآية 29)، وهذا هو دأب كل طاغية حيث لا يرى الصواب إلا رأيه، ولا يرى الخطأ إلا غيره، ومصير كيد فرعون هو الفناء.

ثم بدأ المؤمن من آل فرعون بدعوتهم إلى الله ويحاول إقناعهم بأنه هو الخالق، ويقول: “يا قوم، اتبعوني فسأهديكم إلى الطريق الصحيح. إنما هذه الحياة الدنيا متعة مؤقتة، وإن الآخرة هي المكان الدائم الذي سنعيش فيه. ومن يعمل الشر فإنما يحصل على ما يستحق، ومن يعمل الخير من الذكور والإناث وهم من المؤمنين، فسيدخلون الجنة وسيحصلون على ما يريدون دون حساب. يا قوم، ما الذي يدعوني إلى النار؟ أنا أدعوكم إلى الله العزيز الغفار. فكل ما يدعوني إليه هو باطل وليس له قيمة في الدنيا ولا في الآخرة، وإنما مردنا إلى الله وسيعاقب المسرفين بالنار. فتذكروا ما نقوله لكم وأودع أمري إلى الله، فإن الله يرى عباده ويحفظهم من مكرهم، وسوف يعاقب آل فرعون بأس شديد” (المؤمنون – 38: 45) 

آيات ساطعة وحجج وبراهين

أقام الله تعالى الحجة على فرعون قبل إهلاكه: قال الله تعالى: `فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين` (الأعراف – 133). أرسل عليهم الطوفان فلم يزرعوا، فطلبوا من موسى أن يدعو ربه ووعدوه بأن يؤمنوا، فلما فعل نقضوا العهد وظلوا على الكفر، ثم الجراد كذٰلك والقمل والضفادع فامتلأت البيوت منها ولم يستطيعوا العيش، ثم أرسل عليهم الدم فلا يغترفون ماء من النهر إلا تحويلا إلىٰ دم، وفي كل ذٰلك ظلوا علىٰ كفرهم وعنادهم.

آسيا امرأة فرعون

وقع الإيمان بالله تعالى وما جاء به موسى عليه السلام في قلب آسيا، وعندما علم فرعون بذلك، أمر بتعذيبها في الشمس، ولكن كانت الملائكة تحميها بجناحيها.

ثم أمر فرعون جنوده بالذهاب إلى أكبر صخرة ورميها عليها، وإذا ظلت على إيمانها فهي زوجته وملكة مصر، وإذا عادت فهي ملكة مصر، ولكنها لم تتمسك بالحق، واختارت الضلال على الموت، فأصبحت مثالا يحكى في القرآن: “وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيت في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين” (التحريم – 11)

ماشطة ابنة فرعون

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في ليلة الإسراء، شممت رائحة طيبة، فسألت جبريل عنها، فأخبرني بأنها رائحة ماشطة، ابنة فرعون وأولادها. فتساءلت عن سبب وجود هذه الرائحة، فأخبرني جبريل بأن الماشط وقع من يد ابنة فرعون، وعندما قالت باسم الله، سألتها ابنة فرعون عن ربها، فأخبرتها بأن ربها هو الله، وليس فرعون. فاستجاب الله لدعوتها ورزقها الإيمان، وأمرها بتضحية بقرة نحاسية، وأخبرها بأنها وأولادها سيتم دفنهم في ثوب واحد، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. وفي النهاية، توفيت ابنة فرعون وأولادها على يديها، وقال الرضيع الذي كان بين يديها “يا أمه اقتحمي” في دعوة للدخول إلى الجنة.

وعلى الرغم من كل الأحداث التي جرت، فإن فرعون استمر في عناده ولم يؤمن بالله تعالى، مما جعله أعمى البصيرة وقاسي القلب.

الأمر بالخروج

بعد تعرض موسى عليه السلام وبنو إسرائيل للظلم الشديد، دعا ربهم واصفًا هؤلاء الأشخاص بأنهم قوم مجرمون، وأمره الله تعالى بأن يخرج ببني إسرائيل في الليل ويذهبوا إلى أرض فلسطين. وامتثل موسى عليه السلام أمر الله، لكن فرعون علم بخروجهم وجمع جنوده وأمرهم بمطاردة بني إسرائيل الفارين.

هلاك فرعون

عندما وصل موسى عليه السلام مع بني إسرائيل إلى البحر، كانوا يتساءلون عن الطريقة التي يمكنهم استخدامها للعبور، حيث لم يكن لديهم سفينة. وفيما هم كذلك يبحثون عن حل، رأوا جنود فرعون يقتربون منهم في الأفق. فقال أصحاب موسى: “إنا لمدركون”. ولكن موسى عليه السلام بثقته الكاملة في النصر من الله قال: “كلا إن معي ربي سيهدين”. وفعلا، بفضل إيمانه الشديد، حدثت معجزة حيث أمر الله موسى بأن يضرب البحر بعصاه، فانفجر البحر وانشق إلى قسمين كالجبال العظيمة. وقف فرعون وجنوده مذهولين أمام هذا المشهد العظيم، ولكن تلاشت دهشتهم بسرعة عندما قرروا مطاردة بني إسرائيل عبر البحر الذي تم فتحه. وعندما اجتاز بنو إسرائيل البحر ودخل فيه فرعون وجنوده، أمر الله موسى بأن يضرب البحر بعصاه مرة أخرى، وعاد البحر إلى حالته الطبيعية، غرق فرعون وجنوده في البحر، ولم ينج منهم أحد. ويؤكد الله في القرآن أن هذه المعجزة هي علامة من علاماته، ولكن معظم الناس لم يؤمنوا به. وكانت هذه هي نهاية فرعون.

مجاوزة البحر

بعد أن تجاوز بنو إسرائيل مع موسى عليه السلام البحر، شك بعضهم في موت فرعون، فقال بعضهم: إنه لا يموت، فرفع الله تعالى بدنه على مرتفع وعليه درعه وملابسه، ليتأكدوا من هلاكه، ويقول الله تعالى: “فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرًا من الناس عن آياتنا لغافلون” (سورة يونس – الآية 92). وما زالت جثته موجودة حتى اليوم كعبرة وعظة لأولي الألباب، وكان هلاكه في يوم عاشوراء، ولذلك صام النبي صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم وأمر بصيامه.

ثم مر بنو إسرائيل على قوم يعبدون الأصنام، فطلبوا من موسى عليه السلام أن يصنع لهم أصناما مثل تلك، فنهاهم ووبخهم، قال تعالى: “وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فوجدوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون. إن هؤلاء مسلوبون ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون” (الأعراف – 138، 139).

لقاء الله تعالى مرةً أخرى 

يقول تعالى: في هذه الآية من سورة الأعراف، يتحدث القرآن عن موسى وأخيه هارون وكيف قاموا بالتعامل مع ربهما. طلب موسى من الله أن يراه، ولكن عندما تجلى الله له، لم يستطع الجبل تحمل جلال الله ونوره. ولكن الله أعطاه ألواح التوراة كأساس لشريعة بني إسرائيل. يتم تفسير هذه الآية في العديد من السياقات الإسلامية واليهودية.

السامري والعجل

عندما عاد موسى عليه السلام إلى قومه، صُدِم بما وجده، فوجدوا يعبدون العجل بدلًا من الله، وكان رجل منهم يُدْعَى هارون السامري قد أتى بما استعارته نساء بني إسرائيل من حلي القبط، وألقاه في النار، وأخذ يعجلهم على صنع العجل الذي يشبه الحقيقي.

غضب موسى عليه السلام لما شاهد من نكران بني إسرائيل، وأخذ يشد شعر أخيه هارون لأنه لم يحفظ بني إسرائيل، ولكن هارون أخبره أنه لم يكن لديه سلطة ليفعل شيئًا. ثم التفت إلى السامري الذي كان عقوبته أن يصاب بمرض جلدي يبعده عن الناس.

يقول تعالى: وقوم موسى اتخذوا من حليهم عجلا جسدا، خوارا، بعد موسى، فلم يروا أنه لا يتكلم إليهم ولا يهديهم سبيلا، اتخذوه وكانوا ظالمين” (سورة الأعراف – الآية 148). وكانت توبتهم أن يقوموا بقتل أنفسهم: “وقال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذٰلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم ۚ إنه هو التواب الرحيم” (سورة البقرة – الآية 54).

وفاة موسى عليه السلام

عن أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام وقال له: `أجب ربك`. فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها. وعاد الملك إلى الله تعالى وقال: `أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت وفقأ عيني`. فرد الله عين الملك، وقال: `ارجع إلى عبدي`. فقال له الملك: `الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة، ضع يدك على ظهر ثور وما توارت يدك من شعره فسوف تعيش سنة بها`. ثم قال: `ثم ماذا؟` فقال الملك: `ثم سوف تموت`. فقال موسى: `فالآن من قريب.. يا رب! أمتني من الأرض المقدسة رمية بحجر`.

شبهة موسى عليه السلام وملك الموت

رفض بعض الأشخاص هذا الحديث وقالوا إنه إذا كان موسى يعرفه فقد استهان به، وإذا لم يعرفه فكيف لم ينتصر لنفسه من هذا الرجل الذي أخذ عينه؟

وقد أجاب العلماء على ذلك عدة إجابات:

  • “أن الله عز وجل لم يرسل ملك الموت إلى موسى وهو يريد أخذ روحه، وإنما بعثه اختيارا، وموسى عليه السلام هو من ضرب ملك الموت؛ لأنه رأى إنسانا يدخل داره بدون إذن، وكانت الملائكة تأتي في صورة بشرية، ومن الأدلة على ذلك ما حدث مع رسل إبراهيم عليه السلام، فإن كان يعرفهم لما قدم لهم الطعام، لكنه لم يعرف، كما حدث مع لوط عليه السلام، فإن كان يعرفهم لم يخش من قومه.
  • ومن المتوقع أن يكون مصدر شرعية القصاص بين الملائكة والبشر هو العرف، فمن أين يأتي من يشكك في شرعية طلب ملك الموت للقصاص وعدم تنفيذه؟
  • يزعم البعض أن موسى عليه السلام دفع عن نفسه عندما ركب الله فيه بالحدة، وأن الله ردّ عين ملك الموت ليخبر موسى أنه جاءه من عند الله، ولذلك استسلم حينئذ.
  • قد يكون الله قد أراد اختبار موسى بتلك اللطمة كمحنة له.
  • قد يُصف البعض الموت بأنه لطمة؛ لأنه يأتي دون استئذان وقد ثبت أنه لم يرحم الله نبيًا حتى يخيره، والله أعلم.

فضل موسى عليه السلام

  • أن الله عز وجل يتحدث من غير وسيط، “وكلم الله موسى تكليما” (النساء – 164).
  • يذكر أن الله عز وجل كتب التوراة بيده، وقال فيها “وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها قوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها” في الآية 145 من سورة الأعراف
  • أثنى الله عز وجل على موسى كثيرا: “قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين” (الأعراف – 144)).
  • أن الله عز وجل جعل أخاه نبيا بشفاعته، وقال: “وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون” (القصص – 34)
  • يدلُّ عدد أتباعه يوم القيامة على كثرتهم، ومن بين أحداث يوم القيامة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم: `فإذا سواد عظيم، فقلت: هذه أمتي؟ فقيل: هذا موسى وقومه`.
  • يرتفع مكانة الملك الموت عند الله تعالى، حيث لم يعترض على فقأه لعيم، ولم ينتقد صوته في صلاة ليلة الإسراء.
  • يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالعرض يوم القيامة، ولا يدري إن كان الأمر سيصيبه بالصدمة أم الاستحسان.
  • ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نفسه يصلي في قبره ليلة الإسراء.
  • أن الله عز وجل قوي بالعديد من المعجزات.
  • قام بالسفر لطلب العلم من الخضر عليه السلام.
  • شفقة النبي صلى الله عليه وسلم علينا كأمة، كانت السبب في تخفيف عدد صلوات اليوم من 50 إلى 5، مع زيادة أجر الصلوات الخمس.

قام النبي موسى عليه السلام بمواجهة العديد من الأحداث مع قومه، وكان الهدف من ذلك أن تبقى هذه الأحداث ذكرى لأولي الألباب، ومن بين هذه الأحداث خروجه عليه السلام إلى بيت المقدس ورفض بني إسرائيل لذلك، وقصة بني إسرائيل مع البقرة، ولقاؤه عليه السلام مع الخضر، ولقاؤه مع بلعام بن باعوراء، وقصته مع قارون، وغيرها من الأحداث التي يتعذر ذكرها هنا، لذا سنتناول الحديث عنها في مقالات أخرى بإذن الله تعالى.

كان هذا موضوع مقالنا السابق حول بحث عن سيدنا موسى عليه السلام. تابعونا على موسوعتنا ليصلكم كل جديد، ودمتم في أمان الله 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى