الدين و الروحانياتالناس و المجتمع
ما هي مشاهد يوم القيامة
يحاول المسلمون تصور ما سيحدث في يوم القيامة الذي وصفه الله تعالى في القرآن الكريم بشكل وافر، وذكر العديد من الأحداث التي ستحدث في هذا اليوم. ويعتبر يوم القيامة من شروط اكتمال الإيمان، ولكن الإنسان لا يستطيع أن يصل بذهنه إلى كل ما سيحدث في هذا اليوم لأنه يتعلق بأمر في علم الغيب. ومع ذلك، يمكننا معرفة بعض ما سيحدث في يوم الحساب من خلال ما جاء في القرآن الكريم وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وسنعرض في هذا المقال بعض هذه المشاهد.
يوم القيامة
- ورد ذكر يوم القيامة في القرآن الكريم بأسماء مختلفة أكثر من 70 مرة، ومنها يوم الدين، وذلك في قوله تعالى في سورة الفاتحة “مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ”، كما أُطلق عليه الله تعالى في سورة هود بأنه يوم المشهود، وذلك في قوله “إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ”، وفي الآية الرابعة والثلاثين من سورة قال الله تعالى عن يوم القيامة أنه يوم الخلود “ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ”، وأيضًا يُطلق عليه يوم الوعيد في قوله “وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ”، ويشار إلى يوم القيامة بمصطلحات أخرى مثل يوم التغابن، يوم التناد، يوم الحسرة، يوم الجمع، يوم الفصل، يوم التلاق، يوم الحاقة، يوم القارعة، واليوم الآخر، وذلك بما ذكره الله سبحانه في القرآن الكريم.
- أشار القرآن الكريم إلى أن يوم القيامة سيشهد العديد من الأحداث والكوارث التي يصعب على العقل تصديقها، ولا يمكن لعقل بشري أن يتخيل شدتها أو يتوقع حدوثها.
مشاهد يوم القيامة
المشهد الأول: النفخ في الصور
- “قال الله تعالى في الآية الستين من سورة الزمر: `وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُنفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ`. ونستنتج من هذه الآية أن أول مشهد في يوم القيامة هو نفخ الصور، والنفخة الأولى هي الصعق، حيث يأمر الله عز وجل سيدنا إسرافيل بنفخ الصور، فيصعق كل مخلوق إلا من شاء الله له النجاة، ثم يأتي النفخة الثانية ويقوم الناس من قبورهم للحساب.
المشهد الثاني: البعث
- سيقوم بعث الموتى من قبورهم بعد نفخ الصور لبدء الحساب، وقد ذكر المولى هذا الأمر في سورة الأعراف، قائلا: “وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته، حتى إذا أثقلت السحابة ، أنزلنا الماء على بلد ميت ، فأخرجنا به من كل الثمرات ، وكذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون.
المشهد الثالث: الحشر
- بعد البعث يتجمع الناس في أرض تسمى أرض المحشر، وعندئذ يحشر الناس بحال عُراةٍ حُفاةٍ وغُرْلٍ غير مختونين، وروت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يا عائشة، الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض.” ويوضح هذا الحديث حالة الناس في أرض المحشر، وأنها أرض بيضاء نقية لم يرتكب فيها أي ذنبٍ.
- يقف الناس يوم القيامة حفاة عراة، كما قال رسولنا الكريم، ويستمر وقوفهم لفترة طويلة، ويتقدم الشمس بشكل كبير بحيث تكون قريبة جداً منهم، مما يجعلهم يتعرقون بشدة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك: “إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قيد ميل أو اثنين، فتصهرهم الشمس فيكونوا في العرق بحسب أعمالهم، فمنهم من يصل إلى كاحليه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، ومنهم من يلجمه إلجاماً.
المشهد الرابع: رسول الله يشفع لأمته
- يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم ليرد حوضه، وهو الذي يأتيه الماء من نهر الكوثر، وقد قال النبي “حوضي مسيرة شهر، وماءه أبيض من اللبن، ورائحته أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، ومن شرب منه فلا يظمأ أبداً.” ويشرب منه كل من آمن مع النبي وسار على نهجه، ثم يؤذن للأنبياء الآخرين بالرد على حوضهم حتى يشربوا منه المؤمنون الذين عملوا الصالحات في أمتهم.
- يصبح الأمر شديدًا على الناس، ولا يستطيعون تحمل الوقوف والانتظار للحساب، فيلجأ كل منهم إلى نبي ليستعين به في الدعاء لهم عند الله تعالى، ليبدأ الحساب، ولكن يردد كل نبي “نفسي نفسي” حتى يصلوا إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، الذي يقول “أمتي أمتي”، صلوات الله وسلامه عليك يا نبينا الكريم.
- بعد ذلك، يتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالقه العظيم، ويسجد تحت عرشه، ويطلب منه أن يبدأ الحساب. فيقول المولى عز وجل، كما جاء في حديث البخاري: “يا محمد، ارفع رأسك وقل، يُسمع، وسل، تعطَه، واشفع، تشفَّع. فأقول: يا ربُّ أمَّتي، أمتي. فيقال لي: انطلِق، فمن كان في قلبه إمَّا إن قال مثقال برَّةٍ وإمَّا أن قال مثقال شعيرةٍ منَ الإيمانِ، فأخرجه منها. ثم أنطلقُ فأفعل ذلك، ثم أعودُ فأحمدُه بتلك المحامد، وأخرُّ ساجدًا. فيقال لي: يا محمَّدُ، ارفع رأسَك وقل، يُسَمَّعْ، وسل، تعطَه، واشفع، تشفَّع. فأقول: يا ربُّ أمَّتي، أمَّتي. فيقال لي: انطلِق، فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقالِ حبَّةِ خردلٍ من الإيمانِ، فأخرِجهُ منَ النَّارِ ثلاثَ مرَّاتٍ. ثم أنطلِقُ فأفعل ذلك.
المشهد الخامس:الحساب
- المشهد الخامس يتمثل في لحظة الحساب التي يتولاها الله سبحانه، حيث تظهر سجلات الأعمال، ويحاسب الناس بين أيدي خالقهم، ليحاسبهم على أعمالهم في الدنيا، ولا يظلم الله أحدًا أبدًا.
- تتطاير صحف الأعمال، حيث يمسك كل شخص بصحيفته، فمن ينالها بيمينه، يعتبر ذلك علامة على صلاح حاله، بينما من ينالها بيساره، يعتبر ذلك إشارة على أن حالته المالية صعبة. وقد جاء ذلك في قول الله تعالى في سورة الإنشقاق، حيث يحاسب الشخص الذي نال صحيفته بيده اليمنى بحساب يسير ويرجع إلى أهله مسرورًا، أما الذي نالها وراء ظهره فسيدعو للهلاك وسيصل إلى النار.
المشهد السادس: الميزان
- بعدما يتلقى كل عبد كتابه من الأعمال، يأتي إلى الله عز وجل ليخضع للميزان، والميزان له كفتان يوزن بهما أعمال الإنسان من الخير والشر، ليعرف الكفة التي ترجح أعماله، ولكن لله تعالى أحكام أخرى. وقد قال رسولنا الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: “إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فيرى تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول الله تعالى: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول العبد: لا يا رب، فيقول الله تعالى: أفلك عذر؟ فيقول العبد: لا يا رب، فيقول الله تعالى: بلى، لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، فيقول الله تعالى: احضر وزنك، فيقول العبد: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول الله تعالى: إنك لا تظلم، فيوضع السجلات في كفة الميزان والبطاقة في الكفة الأخرى، فينحاز السجلات وتثقل البطاقة، فلا يثقل شيء مع اسم الله.
- لا يمكن لنفس أن تظلم أبدا، فقد قال الحق تبارك وتعالى: `ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها، وكفى بنا حاسبين`.
- وستكون أمة محمد هي أول الأمم التي ستحاسب، ثم ستتبعها أمم أخرى، وكما تكون الصلاة هي أول ما يحاسب عليه الإنسان يوم القيامة، ثم يسمح الله سبحانه لأعضاء الإنسان أن يتكلموا ويشهدوا عليه بأفعاله السيئة، وعن ذلك قال في سورة فصلت “ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون، حتى عندما يصلون إلى النار يشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بأعمالهم، ويقولون لجلودهم: لماذا شهدتم علينا؟ فيقولون: أنطقنا بأمر الله الذي أنطق بكل شيء وهو الذي خلقكم في المرة الأولى وإليه تعودون.
المشهد السابع: الصراط
- يشير المصطلح “الصراط” إلى المشهد الذي يلي الحساب النهائي وهو الطريق الذي يجب أن يمر عليه جميع الخلق لعبورهم إلى الجنة. وهو طريق رفيع يمتد فوق جهنم، يمر عليه الرسول أولاً ثم يتبعه الناس وفقاً لأعمالهم، فمنهم من يسير على الصراط بسرعة البرق أو الريح أو المطر، وآخرون يزحفون عليه ببطء. وفي هذا المشهد، يدعو النبي للثبات والصبر للذين يزحفون ببطء، بينما يصلي الله لينجحهم في عبور الصراط.
- ومن يسقط، فإنه يصبح في النار، وهو مصير شنيع، نسأل الله الثبات.
المشهد الثامن: الجنة والنار
- وهو المشهد الأخير الذي يلي الصراط، حيث يدخل الجنة كل من آمن بالله ورسوله وعمل صالحاً، ويُلقى في النار كل من كفر بالله ورسوله وعمل سيئاً.
- يتم بعد ذلك النداء من المولى عز وجل لأهل الجنة وأهل النار، ويتم تجسيد الموت في شكل كبش، ويأمر الله بذبحه، ليخلد أهل النار في نارهم إلى الأبد، وأهل الجنة في الجنة إلى الأبد.
نسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن ينجينا وإياكم من النار، وأن يرزقنا مجاورة نبينا المختار صلى الله عليه وسلم في أعلى الجنان.